قلت: فالدعاء كله إذاً مستجاب، بوعد القرآن، لكن منه ما يُعجّل، ومنه ما يُؤجّل، ومنه ما يصرف عنه به البلاء، كما في الأثر، وإذا فسر الدعاء بالسؤال كان الاستكبار عنه منزلاً منزلة الاستكبار عن العبادة للمبالغة في الحث عليه. قال صلّى الله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة» وقرأ الآية «1» ، وفي رواية: «مخ العبادة» «2» ، وعن ابن عباس:
«وحَدوني أغفر لكم» ، فسَّر الدعاء بالعبادة، والعبادة بالتوحيد.
الإشارة: اختلف الصوفية أيّ الحالين أفضل؟ هل الدعاء والابتهال، أو السكوت والرضا؟ والمختار أن ينظر العبد ما يتجلى فى قلبه، فإن انشرح للدعاء فهو في حقه أفضل، وإن انقبض عنه، فالسكوت أولى، والغالب على أهل التحقيق من العارفين، الغنى بالله، والاكتفاء بعلمه، كحال الخليل عليه السلام، فإنهم إبراهيميون.
قال الورتجبي: أي: ادعوني في زمن الدعاء الذي جعلته خاصّاً لإجابة الدعوة، فادعوني في تلك الأوقات، أستجب لكم فإنَّ وقوع الإجابة فيها حقيقة بلا شك، ومَن لم يعرف أوقات الدعاء، فدعاؤه ترك أدب فإن الدعاء في وقت الاستغفار من قلة معرفة المقامات، فإن السلطان إذا كان غضبان لا يُسأل منه، وإذا كان مستبشراً فيكون زمانه زمن العطاء والكرم. - قلت: هذا في حق الخصوص، الفاهمين عن الله، وأما العموم، فما يناسبهم إلا دوام الدعاء في الرخاء والشدة، قال تعالى: فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا «3» ثم قال عن الورّاق: ادعوني على حد الاضطرار والالتجاء، حيث لا يكون لكم مرجع إلى [سواي] «4» ، استجب لكم. هـ.
ثم برهن على توحيده، وأنه لا يصح الرّجوع إلا إليه، فقال:
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (61) ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (62) كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (63) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (64) هُوَ الْحَيُّ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (65)