ثم وعد أهل الحق بالنصر، فقال:
إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (51) يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52)
يقول الحق جلّ جلاله: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا بالحجّة والظفر، والانتقام لهم من الكفرة، بالاستئصال، والقتل، والسبي، وغير ذلك من العقوبات. ولا يقدح في ذلك ما يتفق لهم من صورة الغلبة، امتحاناً إذ الحكم للغالب، وهذا كقوله تعالى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا.. «1» الآية، وقوله: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي «2» . والنصر في الدنيا إما بالسيف، في حق مَن أمر بالجهاد، أو: بالحجة والإهلاك فيمن لم يؤمر به، وبذلك يندفع قول مَن زعم تخصيص الآية أو تعميمها، وإخراجَ زكريا ويحيى من الرسالة، وإنْ ثبت لهما النبوة لقتلهما، وأن الآية، إنما تضمنت نصر الرسل دون الأنبياء، فإنه خلاف لما صرّح به الجمهور من ثبوت الرسالة ليحيى، ففي كلام ابن جزي هنا نظر. قاله المحشي.
وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ أي: وننصرهم يوم القيامة، عبَّر عنه بذلك للإشعار بكيفية النصرة، وأنها تكون حين يجتمع الأولون والآخرون، ويحضره الأشهاد من الملائكة وغيرهم، فيشهدون للأنبياء بالتبليغ، وعلى الكفرة بالتكذيب. قال النسفي: الأشهاد جمع شاهد، كصاحب وأصحاب، يريد: الأنبياء والحفظة، فالأنبياء يشهدون عند رب العزة على الكفرة بالتكذيب، والحفظة يشهدون على بني آدم. هـ.
يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ: هو بدل من يَوْمَ يَقُومُ أي: لا يقبل عذرهم، ومَن قرأ بالتأنيث «3» فباعتبار لفظ المعذرة، وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ أي: البُعد من الرحمة، وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ أي: سوء دار الآخرة، وهو عذابها.
الأشارة: كما نُصرت الرسل بعد الامتحان، نُصرت الأولياء بعد الامتحان والامتكان. قال الشاذلي رضي الله عنه:
اللهم إنَّ القوم قد حكمت عليهم بالذل حتى عزوا.. إلخ. وهم داخلون في قوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا،