بحناجرهم من الرعب، فلا هي تخرج فيموتوا فيستريحوا، ولا ترجع إلى مقارها فيتروّحوا. حال كونهم كاظِمِينَ ممسكين الغيظ بحناجرهم، أو: ممسكين قلوبهم بحناجرهم، يرومون ردها لئلا تخرج، فهو حال من القلوب، وجمعت جمع السلامة لوصفها بالكظم، وهو من أوصاف العقلاء، أو: من أصحاب القلوب إذ الأصل:

قلوبهم، أو: من ضميرها في الظرف، ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ أي: قريب مشفق وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ أي: ولا شفيع تُقبل شفاعته، فالمراد: نفي الشفاعة والطاعة، كقول الشاعر:

وَلاَ تَرَى الضّبَّ فيها يَنْجَحِرْ (?) يريد به: نفي الضب وانجحاره. وكقول الآخر:

عَلَى لاحِبٍ لا يُهتدَى بِمَنَارِه (?) وإن احتمل اللفظ نفي الطاعة دون الشفاعة. فعن الحسن البصري: «والله ما يكون لهم شفيع ألْبتة» . ووضع «الظالمين» موضع الضمير للتسجيل عليهم بالظلم وتعليل الحكم به.

يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ أي: النظرة الخائنة، كاستراق النظر إلى ما لا يحلّ. قيل: فيه تقديم وتأخير، أي:

الأعين الخائنة، وقيل: مصدر، كالعافية، أي: خيانة الأعين. قال ابن عباس رضي الله عنه: هو الرجل يكون جالساً مع القوم، فتمر المرأة، فيسارقهم النظر إليها (?) . هـ. وقال ابن عطية: متصل بقوله: سَرِيعُ الْحِسابِ، فيحاسب على خيانة الأعين، وقالت فرقة: متصل بقوله: لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ، وهذا حسن، يُقويه تناسب المعنيَيْن، ويُبعده بعدُ الآية من الآية، وكثرة الحائل. والحاصل: أنه متصل بما تقدّم من ذكر الله ووصفه، واعترض في أثناء ذلك بوصف القيامة لما استطرد إليه من قوله: لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ الآية. قاله المحشى. وَيعلم ما تُخْفِي الصُّدُورُ أي: ما تُكنّه من خيانة وأمانة. وقيل: هو أن ينظر إلى أجنبية بشهوةٍ مسارقة، ثم يتفكّر بقلبه في جمالها، ولا يعلم بنظرته وفكرته مَن حَضرَه، والله يعلم ذلك كله.

وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ أي: ومَن هذه صفاتُه لا يقضي إلا بالعدل، فيُجازي كُلاًّ بما يستحقه إذ لا يخفى عليه خفيّ ولا جليّ، وَالَّذِينَ يَدْعُونَ يعبدونهم مِنْ دُونِهِ من الآلهة لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ، وهذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015