إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ أي: الغالب الذي لا يمتنع عليه مقدور، وأنت مع مُلكك وعزتك لا تفعل شيئاً خالياً عن حكمة، وموجب حكمتك أن تفي بوعدك.
وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ أي: جزاء السيئات، وهو العذاب، أو: المعاصي في الدنيا، وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ أي: ومَن تقه عقاب السيئات يومئذ فقد رحمته، أو: ومَن تقه المعاصي في الدنيا فقد رحمته في الآخرة، وكأنهم طلبوا لهم السبب بعد ما طلبوا المسبّب، وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ الإشارة إلى الرحمة المفهومة من رحمته، أو: إليها وإلى الوقاية، أي: ذلك التوقي هو الفوزُ العظيم الذي لا مطمع وراءه لطامع.
الإشارة: العرش وحملته، والحافُّون به محمولون بلطائف القدرة لا حاملون في الحقيقة، بل لا وجود لهم مع الحق، وإنما هم شعاع من أنوار الذات الأقدس وتجلِّ من تجلياتها.
وقوله تعالى: يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ، قال الورتجبي: يُسبّحون الله بما يجدونه من القدس والتنزيه، حمداً لأفضالِه، وبأنه منزّه عن النظير والشبيه، ويؤمنون به في كل لحظة، بما يرون منه من كشوف صفات الأوليات، وأنوار حقائق الذات، التي تطمس في كل لمحة مسالك رسوم العقليات، وهم يُقرون كل لحظة بجهلهم عن كنه معرفة وجوده، ثم بيّن أنهم أهل الرأفة، والرحمة، والشفقة على أوليائه، لأنهم إخوانهم في نسب المعرفة والمحبة.
انظر تمامه.
والحاصل: أنهم مع تجلّي أنوار ذاته، قاصرون عن كنهه، وحقيقة ذاته، وغايتهم الإيمان به. قاله في الحاشية.
قلت: والتحقيق أن المقربين منهم تحصل لهم المعرفة العيانية، والرؤية للذات في مظاهر التجليات، كما تحصل لخواص الأولياء في الدنيا، ولكن معرفة الآدمي أكمل لاعتدال حقيقته وشريعته، لمَّا اعتدل فيه الضدان، وأما معرفة الملائكة فتكون مائلة لجهة الشكر والهيمان للطافة أجسامهم، فمثلهم كالمرآة بلا طلاء خلفها، وأمّا ما ورد في بعض الأخبار: أن جبريل لم يرَ الله قط قبل يوم القيامة، فلا يصح إلا أن يُحمل على أنه لم يره من غير مظهر، وهذا لا يمكن له ولا لغيره، وأما رؤيتهم الله يوم القيامة فهم كسائر المؤمنين، يرونه على قدر تفاوتهم في المراتب والقُرب.
قال إمام أهل السنة، أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه، في كتاب «الإبانة في أصول الديانة» : أفضل اللذات لأهل الجنة رؤية الله تعالى، ثم رؤية نبيه صلّى الله عليه وسلم، فلذلك لم يحرم الله أنبياءه المرسَلين، وملائكته المقرّبين، وجماعة المؤمنين، والصدّيقين النظرَ إلى وجهه تعالى. هـ. وفي الآية حث على الدعاء للمؤمنين بظهر الغيب، والاستغفار لهم، وهو من شأن الأبدال، أهل الرّحمة لعباد الله، اقتداءً بالملأ الأعلى.