فلم يحمل عرشه إلا قدرته، وفي الحديث: «إن الله أمر جميع الملائكة أن يَغدُوا، ويَرُوحوا بالسلام على حملة العرش، تفضيلاً لهم على سائر الملائكة» . (?)
وقال وهب بن منبه: حول العرش سْبعون ألف صفٍ من الملائكة، صف خلف صف، يدورون حول العرش، يطوفون به، يُقبل هؤلاء، ويُدبر هؤلاء، فإذا استقبل بعضهم بعضاً، هلّل هؤلاء، وكبَّر هؤلاء، ومِن ورائهم سبعون ألف صف قيام، أيديهم إلى أعناقهم، قد وضعوها على عواقتهم، فإذا سمعوا تكبير هؤلاء وتهليلهم، رفعوا أصواتهم، فقالوا: سبحانك وبحمدك ما أعظمك وأجلَّك، أنت الله لا إله غيرك، أنت الأكبر، الخلقُ كلهم راجون رحمتك، ومِن وراء هؤلاء مائة ألف صفٍ من الملائكة، قد وضعوا اليمنى على اليسرى، ليس منهم أحد إلا يُسبح الله- تعالى- بتسبيح لا يُسبحه الآخر، ما بين جناحي أحدهم مسيرة ثلاثمائة عام، واحتجب الله عزّ وجل- بينه وبين الملائكة الذين هم حول العرش- بسبعين حجاباً من ظُلمة، وسبعين حجاباً من نور، وسبعين حجاباً من دُرٍّ أبيض، وسبعين حجاباً من ياقوتٍ أحمر، وسبعين حجاباً من زمُردٍ أخضر، وسبعين حجاباً من ثلجٍ، وسبعين حجاباً من ماءٍ، إلى مَا لا يَعْلَمُهُ إِلا الله تعالى هـ (?) .
قلت: لمّا أظهر الله العرشَ تجلّى بنورٍ جبروتي رحموتي، استوى به على العرش، كما يتجلّى يوم القيامة لفصل القضاء، ثم ضرب الحُجُب بين هذا التجلي الخاص وبين الملائكة الحافِّين، ولا يلزم عليه حصر ولا تجسيم إذ تجليات الذات العالية لا تنحصر، وليست هذه الحُجُب بين الذات الكلية وبين الخلق إذ لا حجاب بينها وبين سائر المخلوقات إلا حجاب القهر والوهم.
واخْتُلف في هيئة العرش، فقيل: إنه مستدير، والكون كله في جوفه كخردلة في الهواء، حتى قيل: هو الفلك التاسع، وقيل: هو منبسط كهيئة السرير، وله سواري وأعمدة، وهو ظاهر الأخبار النبوية. رَوى جعفرُ الصادق عن أبيه عن جده، أنه قال: إن بين القائمة من قوائم العرش والقائمة الثانية من خفقان الطير المسرعة قياس ألف عام، وإن ملَكاً يقال له: حزقائيل، له ثمانية عشر ألف جناح، ما بين الجناح والجناح خمسمائة عام، فأوحى الله إليه: أن طِرْ، فطار مقدار عشرين ألف سنة، فلم ينل رأسُه قائمةً من قوائم العرش، ثم طار مقدار ثلاثين ألف سنة فلم ينلها، فأوحى الله إليه: لو طرت إلى نفخ الصور لم تبلغ ساق عرشي. هـ. مختصراً.
وفي حديث آخر: «إنَّ بين القائمة والقائمة من قوائم العرش ستين ألف صحراء، في كل صحراء ستون ألف عالم، في كل عالم قدر الثقلين» . ومع هذا كله يسعه قلب العارف حتى يكون في زاوية منه لأنه محدود، وعظمة