وعن عثمان: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المقاليد، فقال صلّى الله عليه وسلم: «هي لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله وبحمده، أستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، هُوَ الأول والآخر، والظاهر والباطن، بيده الخير، يُحيي ويُميت وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قدير» (?) . ومعناه: أن لله هذه الكلمات، يُوحّد بها ويُمجّد، وهي مفاتحُ خير السماوات والأرض، ومَن تكلّم بها أدرك ذلك في الدنيا أو في الآخرة، ومرجعها إلى التحقق بالعبودية في الظاهر، ومعرفة الذات في الباطن، وهما السبب في كل خير، وبهما يدرك العبد التصرُّف في الوجود بأسره، فتأمله.

وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ أي: كفروا به بعد كونه خالق كل شيء، ومتصرفاً في ملكه كيف يشاء، بيده مقاليد العالم العلوي والسفلي، فكفروا بعد هذا بآياته التكوينية، المنصوبة في الآفاق وفي الأنفس، والتنزيلية، التي من جملتها هذه الآيات الناطقة بذلك، أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ خسراناً لا خسرَ وراءه، وقيل: هو متصل بقوله:

وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا، وما بينهما اعتراض.

قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ به، وكانوا يقولون له: أسلِم لبعض آلهتنا نؤمن بإلهك لفرط جهالتهم. وغير: منصوب ب «أعبد» ، وتَأْمُرُونِّي: اعتراض، أي: أتأمروني أعبد غير الله بعد هذا البيان التام؟

وحذفُ نون الوقاية وإثباتها مدغمة وغير مدغمة، كُلٌّ قُرىء به.

وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ: من الأنبياء- عليهم السلام: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ، كلام وارد على طريق الفرض، لتهييج الرسل، وإقناط الكفرة، والإيذان بغاية بشاعة الإشراك وقُبحه، وكونه بحيث يُنهي عنه مَن لا يكاد يمكن أن يباشره بمَن عداه أو: الخطاب له، والمراد غيره.

وإفراد الخطاب مع كون الموحَى إليهم جماعة، باعتبار خطاب كل واحد في عصره، واللام موطئة لقسم محذوف، والثانية لام الجواب، وهو سادّ مسدّ جواب الشرط، وإطلاق الإحباط لاحتمال أن يكون من خصائصهم لأن الإشراك منهم أشد، وأن يكون مقيداً بالموت، كما صرح به في آية البقرة (?) ، وهو مذهب الشافعي، وذهب مالك إلى أن الشرك يُحبط العمل قبل الردة، مات عليها، أو رجع إلى الإسلام، فينتقض وضوؤه وصومُه. وما قاله الشافعي أظهر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015