يقول الحق جلّ جلاله: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ أي: نبيه صلى الله عليه وسلم. نزلت تقوية لقلبه- عليه السلام، وإزالة للخوف الذي كان الكفار يخوفونه، أو: جنس العبد، فيشمل الأنبياء كلهم والمؤمنين، وينتظم فيه النبي صلى الله عليه وسلم انتظاماً أولياً، ويُؤيده قراءة الأخويْن (?) بالجمع. وهو إنكار ونفي لعدم كفايته تعالى على أبلغ وجه وآكده، كأنَّ الكفاية بلغت من الظهور ما لا يقدر أحد على أن يتفوّه بعدهما، أو يتلعثم في الجواب بوجودها، وإذا علم العبدُ أن الحق تعالى قائم بكفايته، سكن قلبه واطمأن، وأسقط الأحمال والكُلَف عن ظهره، فلا جرم أن الله يكفيه ما أهمّه، ويؤمّنه مما يخافه، كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:

وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ أي: الأوثان التي اتخذوها آلهة دونه تعالى، وهي جوامد، لا تضر ولا تنفع، وهذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عما قالت قريش: إنا نخاف أن تخبُلك آلهتنا، وتُصيبك معرَّتها لعيبك إياها. وفي رواية:

قالوا: لتكفنّ عن آلهتنا، أو ليصيبنك منهم خبل أو جنون (?) ، كما قال قوم هود: إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ (?) . وجملة: «ويخوفونك» : استئناف، أو: حال. وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ حتى غفل عن كفايته وعصمته صلّى الله عليه وسلم، أو: اعتقد أن الأصنام تضر وتنفع فَما لَهُ مِنْ هادٍ يهديه إلى ما يرشده.

وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ إلى توحيده وطاعته فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ يصرفه عن رشده، أو يصيبه سوء يخل بسلوكه إذ لا راد لفعله، ولا معارض لقضائه، كما ينطق به قوله تعالى: أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ: غالب لا يغالَب، منيع لا يمانَع ولا ينازَع، ذِي انْتِقامٍ من أعدائه لأوليائه، بإعزاز أوليائه وإذلال أعدائه. وإظهار الاسم الجليل في موضع الإضمار لتحقيق مضمون الكلام، وتربية المهابة. والله تعالى أعلم.

الإشارة: إذا علِم العبدُ أن الله كاف جميع عباده، وثق بضمانه، فاستراح من تعبه، وأزال الهموم والأكدار عن قلبه، فيدخل جنة الرضا والتسليم، ويهب عليه من روح الوصال وريحان الجمال نسيم، فيكتفي بالله، ويقنع بعلم الله، ويثق بضمانه.

قال في لطائف المنن: مبنى الوليّ على الاكتفاء بالله، والقناعة بعلمه، والاغتناء بشهوده. قال تعالى:

أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وقال تعالى: أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (?) . هـ. وقال الشيخ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015