ما بمعنى مِنْ، كقوله تعالى: وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى «1» ، أو: إيذاناً بأن نِسْيانَه بلغ به إلى حيث لا يعرف ما يدعوه، وهو كقوله تعالى: عَمَّا أَرْضَعَتْ

«2» .

وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً: شركاء في العبادة لِيُضِلَّ «3» بذلك عَنْ سَبِيلِهِ الذي هو التوحيد. أي:

ليُضل غيره، أو: ليزداد ضلالاً، أو: يثبت عليه، على القراءتين، وإلا فأصل الضلال غير متأخر عن الجعل المذكور. واللام للعاقبة، كما في قوله: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً «4» غير أن هذا أقرب للحقيقة لأن الجاعل هنا قاصد بجعله المذكور حقيقة الإضلال والضلال، وإن لم يعرف لجهله أنهما إضلال وضلال، وأما آل فرعون فهم غير قاصدين بالتقاطهم العداوة أصلاً. قاله أبو السعود.

قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا أي: تمتعاً قليلاً، أو: زماناً قليلاً في الدنيا، وهو تهديد لذلك الضال المضل، وبيان لحاله ومآله. إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ أي: من ملازميها، والمعذَّبين فيها على الدوام، وهو تعليل لقلة التمتُّع.

وفيه من الإقناط من النجاة ما لا يخفى، كأنه قيل: إذا أبيتَ قبول ما أمرت به من الإيمان والطاعة، فمن حقك أن تؤمَر بتركه لتذوق عقوبته.

الإشارة: الصفة الممدوحة في الإنسان: أن يكون إذا مسَّه الضر التجأ إلى سيده، مع الرضا والتسليم، فإذا كشف عنه شكر الله وحمده، ودام على شكره، ونسب التأثير إلى الأسباب والعلل، وهو صريح الآية. وبالله التوفيق.

ثم ذكر حال من شكر، فقال:

[سورة الزمر (39) : آية 9]

أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (9)

يقول الحق جلّ جلاله: أَمَّنْ «5» هُوَ قانِتٌ أي: مطيع، قائم بواجب الطاعات، دائم على أداء وظائف العبادات، آناءَ اللَّيْلِ أي: في ساعات الليل، حالتي السراء والضراء، كمَن ليس كذلك، بل إنما يفزع إلى الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015