فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ أي: فاعبده تعالى مخلصاً دينه من شوائب الشرك والرياء، حسبما بُيِّن في تضاعيف ما أنزل إليه.

[سورة الزمر (39) : الآيات 3 الى 4]

أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ (?) لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (?)

أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ أي: هو الذي وجب اختصاصه بأن تخلص له الطاعة من كل شائبة لأنه المنفرد بصفات الألوهية، التي من جملتها: الاطلاع على السرائر والضمائر.

الإشارة: قال القشيري: كتابٌ عزيزٌ، نزل من ربٍّ عزيز، على عبدٍ عزيز، بلسان مَلَكٍ عزيز، في شأنِ أمةٍ عزيزة، بأمرٍ عزيز. وأنشدوا:

ورَدَ الرسولُ من الحبيب الأوَّلِ ... بعد البلاء، وبعد طُول الأمل «1»

تنزيل تنزّهت قلوب الأحباب بعد ذبول غصن سرورها، في كتاب الأحباب، عند قراءة فصولها. والعجب منها كيف لا تزهو سروراً بوصولها، وارتياحاً بحصولها، وكتابُ موسى في الألواح، ومنها كان يقرأ موسى، وكتاب نبينا صلّى الله عليه وسلم نَزَلَ به الروح، الأمين، على قلبك، وفَصْلٌ بين من يكون خطاب ربه مكتوباً في ألواحه، وبين من يكون خطاب ربه محفوظاً في قلبه، وكذلك أمته، بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ «2» هـ.

وقوله تعالى: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ، قال القشيري: العبادة: معانقة الطاعات على نعت الخضوع، وتكون بالنفس وبالقلب وبالروح، فالتي بالنفس- أي: بالجوارح- الإخلاص فيها: التباعد عن الانتقاص، والتي بالقلب، أي: كالفكرة والنظرة، الإخلاص فيها: التباعد عن رؤية الأشخاص- أي: الحس من حيث هو- والتي بالروح، الإخلاص فيها: التنقِّي عن رؤية طلب الاختصاص «3» .

قوله تعالى: أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ هو ما يكون جملته لله، وما للعبد فيه نصيب فهو عن الإخلاص بعيد، اللهم إلا أن يكون بأمره، فإنه إذا أَمَرَ العبدَ أن يحتسب الأجرَ على طاعته، فأطاعه، لا يخرج عن الإخلاص بامتثاله ما أمره به، ولولا هذا مَا صحَّ أن يكون في العالَم مُخْلِصٌ، يعني: أن جُل الناس إنما يطيعون لاحتساب الأجر، إلا الفرد النادر، فمَن زال عنه الحجاب فإنه يعبد الله بالله، شكراً، وإظهاراً للأدب، فإن قصد الاحتساب، ثم طرأ عليه خواطر بعد تحقق الإخلاص، فلا يضر، يدل عليه قوله صلّى الله عليه وسلم: «مَن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» «4» وهذا في أصل القصد، والعوارض غير مضرة، كما هو صريح حديث آخر. والله تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015