وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ المختارين من بين أبناء جنسهم الْأَخْيارِ: جمع خيّر، أو: خيْر، على التخفيف، كأموات جمع ميّت، أو: ميْت.
الإشارة: أولياء هذه الأمة- أي: العارفون بالله- يزاحمون الأنبياء والرسل في جلّ المراتب، قال عليه السّلام: «علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل» «1» أي: العلماء بالله فإنهم لم يقفوا مع دنيا ولا مع آخرة، بل حطُّوا هممهم على الله، ولم يقصدوا شيئاً سواه، خلعوا النعلين عن الكونين، وركضوا إلى المكوِّن، وكانت لهم اليد الطولى في عمل الطاعات عبوديةً، والبصيرة النافذة في مشاهدة الربوبية، هذه طريقهم، وهذا مذهبهم، ومَن حاد منهم عن هذا لم يعدّوه منهم. جعلنا الله ممن خرط فى سلكهم.
ثم ذكر بقية بنيه، فقال:
وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ (48)
يقول الحق جلّ جلاله: وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ، فصل ترجمته عن أبيه وأخيه للإشعار بعلو شأنه، واستقلاله بالشرف والذكر، ولعراقته في الصبر، الذي هو المقصود بالتذكير، وهو أكبر بنيه. وَاذكر الْيَسَعَ بن خطوب «2» بن العجوز، استعمله إلياس على بنى إسرائيل، ثم استنبئ. و «ال» فيه، قيل: للتعريف، وأصله: يسع، وقيل: زائدة لأنه عجمي علَم، وقيل: هو يوشع، وَذَا الْكِفْلِ وهو ابن عم اليسع، أو: بشر بن أيوب. واختلف في نبوته وسبب لقبه، فقيل: فرّ إليه مائة نبي من بني إسرائيل، خوفاً من القتل، فآواهم وكفلهم، وقيل: تكفل بعبادة رجل صالح كان في وقته. وَكُلٌّ أي: وكلهم مِنَ الْأَحْبارِ المشهورين بالخيرة.
الإشارة: إنما كان هؤلاء مصطفين أخياراً بالوفاء بالعهود، والوقوف مع الحدود، والصبر على طاعة الملك المعبود، وتحمُّل ما يقرب إلى حضرة الشهود. ف كل مَن اتصف بهذه الخصال كان من المُصْطَفَين الأخيار.
ثم ذكر عامة المؤمنين، أو: ما أعد لمن ذكر آجلا، بعد ذكرهم الجميل عاجلا، فقال:
هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ (51) وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ (52) هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ (53)
إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ (54)