وقيل: لَمَّا عقرها أبدل الله تعالى له خيراً منها، وهي الريح تجري بأمره، فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي، قاله عليه السلام عند غروب الشمس، اعترافاً بما صدر عنه من الاشتغال بها عن الصلاة أو الذكر، وغايته حينئذ: أن الأَوْلى استغراق الأوقات في ذكر الله من الاشتغال بالدنيا، فترَكَ الأَوْلى، وتحسّر لذلك، وأمر بالقطع.
وأما حمله على الصلاة والاشتغال بها حتى يفوت الوقت، فذنب عظيم، تأباه العصمة. قاله شيخ شيوخنا الفاسي.
وقد يُجاب بأنَّ تركه كان نسياناُ وذهولاً، لا عمداً، فلا معصية.
وعدّى «أحببتُ» ب «عن» دون «على» لتضمنه معنى النيابة، أي: أَنَبْتُ حبَّ الخير (?) ، وهو المال الكثير، والمراد: الخيل التي شغلته عن ذكر ربه، حَتَّى تَوارَتْ أي: استترت بِالْحِجابِ أي: غربت واحتجبت عن العيون، و «عن» : متعلق بأحببت، باعتبار استمرار المحبة ودوامها. حسب استمرار العَرض، أي: أنبت حب الخير عن ذكر ربي، واستمر ذلك حتى غربت الشمس. وإضمارها من غير تقدُّم ذكرٍ لدلالة «العَشي» عليها.
رُدُّوها عَلَيَّ، هو من مقالة سليمان، فَطَفِقَ مَسْحاً، الفاء فصيحة، مفصحة عن جملة حُذفت، لدلالة الكلام عليها، إيذاناً بسرعة الامتثال، أي: فَردُّوها عليه، فأخذ يمسح السيف مسحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ أي: بسوقها وأعناقها يقطعها، من قولهم: مسح عنقه بالسيف، وقيل: جعل يمسح بيده أعناقها وسوقها، حبّاً لها، وإعجاباً بها، وهو يُنافي سياق الكلام (?) .
الإشارة: لم يذكر الحق تعالى لسليمان ترجمة مخصوصة، كما ذكر لغيره بقوله: وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ، وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ، بل خرطه في سلك ترجمة أبيه، وجعله هبة له تنبيهاً على أن مقام أهل الجمال الدنيوي، لا يبلغ مقام أهل الجلال ففيه تنبيه على أن الفقير الصابر أعظم من الغني الشاكر. قاله في القوت.
وقوله تعالى: فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ، فيه: أن مَن ترك شيئاً عوَّضه الله خيراً منه، فمَن كان في الله تلفه، كان على الله خلفه. وفيه حجة للصوفية على إتلاف كل ما شغل القلب عن الله، كما فعل الشبلي من تمزيق الثياب الرفهة (?) . والله تعالى أعلم.