وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً أي: وسخّرنا الطير مجموعة من كل ناحية. عن ابن عباس رضي الله عنه: كان إذا سبّح، جاوبته الجبال بالتسبيح، واجتمعت إليه الطير، فسبَّحت، فذلك حشرها. كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ أي: كل واحد من الجبال والطير لأجل تسبيح داود. ووضع الأوّاب موضع المسبّح لأن الأوّاب: الكثير الرجوع إلى الله تعالى، من عادته أن يكثر ذكر الله، ويدير تسبيحه وتقديسه على لسانه. وقيل: الضمير لله، أي: كل من داود والجبال والطير أوّاب، أي:

مسبّح لله تعالى ومرجّع للتسبيح، وقيل: لداود، أي: يرجع لأمره.

وَشَدَدْنا مُلْكَهُ أي: قوّيناه بالهيبة والنصرة وكثرة الجنود. قيل: كان بيت المقدس حول محرابه ثلاثة وثلاثون ألف رجل. قال القشيري: ويقال: وشددنا ملكه بالعدل في القضية، وحسن السيرة في الرعية، أو: بدعاء المستضعفين، أو: بقوم مناصحين، كانوا يَدُلونه على ما فيه صلاح ملكه، أو: بقبوله الحق من كل أحد، أو:

برجوعه إلينا في عموم الأوقات. هـ. وقال ابن عباس: أن رجلاً من بني إسرائيل استعدى على رجل من عظمائهم إلى داود، فقال المستعدي: إن هذا غصبني بقرتي، فجحد الآخر، ولم تكن له بينة، فقال داود: قُوما حتى أنظر في أمركما، فأوحى الله تعالى إلى داود في منامه: أن اقْتُل الرجل الذي استعدِيَ عليه، فتثبت داود حتى أوحى الله إليه ثلاثاً أن يقتله، أو تأتيه العقوبة من الله، فأرسل داود إلى الرجل: أن الله قد أوحى إليَّ أن أقتلك، فقال: تقتلني بغير بينة؟ فقال: نعم، والله لأنفذنَّ أمرَ الله فيك، فلما عرف الرجلُ أنه قاتله، فقال: لا تعجل عليَّ حتى أخبرك أن الله تعالى لم يأخذني بهذا الذنب، الذي هو السرقة، ولكني كنتُ قتلتُ أبا هذا غِيلة، وأخذتُ البقرة، فقتله داود، فقال الناس: إذا أذنب أحد ذنباً أظهره الله عليه فقتله، فهابوه، وعظمت هيبته في القلوب هـ. (?) .

وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ النبوة، وكمال العلم، وإتقان العمل، والإصابة في الأمور، أو: الزبور وعلم الشرائع. وكل كلام وافق الحق فهو حكمة. وَفَصْلَ الْخِطابِ علم القضاء وقطع الخصام، فكان لا يتتعتع في القضاء بين الناس، أو: الفصل بين الحق والباطل. والفصل: هو [التمييز] (?) بين الشيئين، وقيل: الكلام البيِّن، بحيث يفهمه المخاطب بلا التباس، فصْل بمعنى مفصول، أو: الكلام البيِّن الذي يبين المراد بسرعة، فيكون بمعنى فاصل، والمراد: ما أعطاه الله من فصاحة الكلام، الذي كان يفصل به بين الحق والباطل، والصحيح والفاسد، فى قضاياه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015