وفائدته: أن الذباب لا تجتمع عنده، وأنه أسرع الأشجار نباتاً، وامتداداً، وارتفاعاً، وأن ورقه باطنها رطبة. وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك لتُحب القرع، فقال: «أجل، هي شجرة أخي يونس» (?) ، قلت: ولعلها النوع الذي يُسمى اليوم «السلاوي» لأنه هو الذي ورقه لينة، وفيه منافع.
رُوي أن ظبية كانت تختلف إليه، فيشرب من لبنها بكرة وعشية، حتى نبت لحمه، وأرسل الله تعالى على اليقطين دابة تقرض ورقها، فتساقطت حتى أذته الشمس، فشكاها إلى الله تعالى. وفي رواية: فحزن عليها، فقيل له: أنت الذي لم تخلُق، ولم تسقِ، ولم تُنبت، تحزن عليها وأنا الذي خلقت مائة ألف من الناس أو يزيدون تُريد مني أن أستأصِلَهم في ساعة واحدة، وقد تابوا، وتُبت عليهم، فأين رحمتي يا يونس، أنا أرحم الراحمين (?) . هـ.
وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ، المراد به القوم الذين بُعث إليهم قبل الالتقام، فتكون «قد» مضمرة، أَوْ يَزِيدُونَ في مرأى الناظر، أي: إذا رآها الرائي قال: هي مائة ألف أو أكثر. وقال الزجّاج: «أو» بمعنى «بل» . وقيل: بمعنى الواو. قال ابن عباس: زادوا على مائة ألف عشرين ألفاً. وقال الحسن: بضعاً وثلاثين ألفاً.
وقال ابن جبير: سبعين ألفاً. وقيل: وأرسلناه بعد الالتقام إلى مائة ألف. وقيل: قوماً آخرين. فَآمَنُوا به، وبما أُرسل به، فَمَتَّعْناهُمْ بالحياة إِلى حِينٍ منتهى أجلهم، ولم يُعاجَلوا، حيث تابوا وآمنوا.
الإشارة: في قصة يونس نكتة صوفية، ينبغي الاعتناء بها، وهو أن العبد إذا زلّت قدمُه، وانحطّ عن منهاج الاستقامة، لا ييأس ولا يضعُف عن التوجه، بل يلزم قرعَ الباب، ويتذكر ما سلف له من صالح الأعمال، فإن الله تعالى يرعى ذمام عبده، كما يرعى العبد ذمام سيده، وفي حال البُعد والغضب يظهر المحب الصادق من الكذّاب، وفي ذلك يقول ابن وفا رضي الله عنه:
ونحن على العهد نرعى الذمام ... وعهد المحبين لا ينقضي
صددت فكنت مليح الصدود ... وأعرضتَ أُفديك من معرض
وفي حالة السخط لا في الرضا ... بيان المحب من المبغض.