يا مَنْ تصدّى لعلم الأصل يُحكمه ... قد فاتك الذوق بالوجدان مستأنسا.

الإشارة: وآية لهم النفس الميتة بالجهل أحييناها بالعلم، وأخرجنا منها علماً لَدُنيًّا، فمنه تتقوّت القلوب والأرواح، وجعلنا فيها جناتِ المعارف، من نخيل الحقائق، وأعناب الشرائع، وفجَّرنا فيها من عيون الحِكَم، ليأكلوا من ثمره، ومما عملته أيديهم، من المجاهدات والمكابدات، فإنها تُثمر المشاهدات. سبحان الذي خلق الأزواج كلها من الأحوال، والمقامات، والعلوم، والمعارف، مما يُستخرج من النفوس والأرواح، ومما لا يعلمه إلا الله.

ثم ذكر برهانا آخر، فقال:

[سورة يس (36) : الآيات 37 الى 40]

وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)

يقول الحق جلّ جلاله: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ نُخرج منه النهار، إخراجاً لا يبقى معه شيء من ضوء النهار. مستعار من: سلخ الجلد عن الشاة، أو: ننزع عنه الضوء نزع القميص الأبيض، فيعري نفس الزمان، كشخص أسود، نزع عنه قميص أبيض لأن أصل ما بين السماء والأرض من الهواء: الظلمة، فاكتسى بعضه ضوء الشمس، كبيت مظلم أُسرج فيه، فإذا غاب السراج أظلم. فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ داخلون فى الظلام.

وَآية لهم أيضاً الشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها لحدّ لها مؤقّت، تنتهي إليه من فَلكِها في آخر السنة.

شبهت بمستقرّ المسافر إذا انتهى سفره، أو: لحدّ لها من مسيرها كلّ يوم في مرائي عيون الناس، وهو المغرب. وفي الحديث الصحيح- من طريق أبي ذرٍّ-: «إنها تسجد كل يوم تحت العرش، فتستأذن، فيُؤذن لها، ويوشك أن تستأذن فلا يُؤذن لها، فتَطلُعُ من مغربها» ، ذرّ قال صلى الله عليه وسلم: «وذلك قوله: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها» «1» .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015