إليه، وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ أي: يكون عمره قصيراً إِلَّا فِي كِتابٍ أي: اللوح المحفوظ، أو: صحيفة الإنسان. وقال ابن جبير: «مكتوب في أول الكتاب: عمره كذا وكذا، ثم يكتب أسفل ذلك: ذهب يوم، ذهب يومان، ذهب ثلاثة، حتى ينقطع عمره» (?) . ففسر النقص بالذهاب، ولا يذهب شيء من عمره إلا في كتاب. ويمكن أن يُجري على ظاهره، باعتبار المحو والإثبات في غير أم الكتاب، كما ورد في صلة الرحم وقطعها. وانظر عند قوله:
يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ ... (?) إلخ. إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ أي: إحصاء الأعمار، أو زيادتها ونقصانها، سهل على علم الله وقدرته.
الإشارة: أصل نشأة الأشباح من الصلصال، وأصل نشأة الأرواح من نور الكبير المتعال، فمَن غلبت طينته على روحانيته، وهواه على عقله، التحق بالبهائم، ومَن غلبت روحانيته على بشريته، وعقله على هواه، التحق بالملائكة الكرام.
وقوله تعالى: وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ.. الآية، طول العمر وقصره عند الحكماء، ليس هو بكثرة آماده، وإنما هو بكثرة أمداده. وفي الحِكَم: «رُبّ عمر اتسعت آماده، وقَلَّْتْ أمداده، ورُبّ عمر قليلةٌ آماده، كثيرة أمداده» .
والأمداد: ما يجد القلب من معارف الله، وعلومه، وأنواره، وأسراره. فرُبّ قلب استمد في زمان قليل، من العلوم والمعارف والأسرار، ما لم يستمده غيره في أزمنة متطاولة. وقال أيضاً: «مَن بورك له في عمره، أدرك في يسيرٍ من الزمان مِنْ مِنَن الله تعالى، ما لا يدخل تحت دوائر العبارة، ولا تلحقه الإشارة» (?) . والغالب أن هذه الأمداد إنما تُنال بصحبة الرجال العارفين بالله، فإن المدد الذي يحصل له معهم في ساعة واحدة لا يحصل في أزمنة طويلة مع غيرهم، ولو كثرت صلاتهم وصيامهم.
وقال في القوت: فإن البركة في العمر أن تدرك في عمرك القصير، بيقظتك، ما فات غيرك في عمره الطويل بعْد، فيرتفع لك في السنة ما لا يرتفع لغيرك في عشرين سنة. وللخصوص من المقربين في مقامات القرب عند التجلي بصفات الرب إلحاق برفع الدرجات، وتدارُكٌ بما فات عند أذكارهم، وأعمال قلوبهم، اليسيرة، في هذه الأوقات. فكل ذرة من تسبيح، أو تهليل، أو حمد، أو تدبُّر، أو تبصرة، أو تفكُّر وتذكرة، لمشاهدة قرب، ووجد برب، ونظرة إلى حبيب، ودنو من قريب، أفضل من أمثال الجبال من أعمال الغافلين، الذين هم لنفوسهم واجدون، وللخلق مشاهدون. ومثال العارفين، فيما ذكرناه من قيامهم بشهادتهم ورعايتهم لأماناتهم وعهدهم، في وقت