مكية. وآيها ست- أو خمس- وأربعون. ومناسبتها لما قبلها: أن صدرها استدلال على عظم ذاته، وباهر قدرته، وتحقيق رسالة نبيه، بجعل الملائكة رسلا إليه، ففيها إزاحة للشك، وقلع للريب، الواقع فى قلوب الكفرة، الذي ختمت به السورة، فكأنه تعالى حمد نفسه على إظهار شأنه، وإن لم يحمده عتاة خلقه.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (?)
قلت: (أولِي) : اسم جمع، كذُو، وهو بدل من «رسلاً» ، أو نعت له، ومَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ: نعوت لأجنحة، وهو غير منصرف لأنه معدول عن اثنين اثنين، وثلاثة ثلاثة، وهو باعتبار الأشخاص، أي: منهم مَن له اثنان، ومنهم مَن له ثلاثة، هذا ظاهر الكشاف.
يقول الحق جلّ جلاله: الْحَمْدُ لِلَّهِ، حمد نفسه تعليماً وتعظيماً، فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مبديهما ومبدعهما. قال ابن عباس رضي الله عنه: «ما كنت أدري معنى فاطر حتى اختصم إليّ أعرابيان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، أي: ابتدأتها» . قال البيضاوي: من الفطر، بمعنى الشق، كأنه شق العدم بإخراجهما منه. قلت:
وكأنه شق النور الكثيف من النور اللطيف، فنور السموات والأرض من نوره الأزلي، وسره الخفي. جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا إلى عباده، أي: وسائط بين الله وبين أنبيائه والصالحين من عباده، فيُبلغون إليهم رسالاته بالوحي، والإلهام، والرؤيا الصادقة. أُولِي أَجْنِحَةٍ متعددة مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ أي: منهم ملائكة لهم اثنان لكل واحد جناحان، ومنهم مَن له ثلاثة، ومنهم مَن له أربعة، بتفاوت ما لهم من المراتب، ينزلون بها، ويعرجون، أو: يُسرعون نحو ما وكلهم الله عليه، يتصرفون فيه على ما أمرهم به، ولعله تعالى لم يرد الحصر ونفى ما زاد عليها، لِمَا رُوي أنه صلى الله عليه وسلم رأى جبريل ليلة المعراج، وله ستمائة جناح «1» . وَرُويَ أنه طلب منه أن يريه