ثم قال تعالى:
وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ (37) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (38)
قلت: جمع التكسير يُذكّر ويؤنث للعقلاء وغيرهم، ولذلك قال: «بالتي» . و (زلفى) : مفعول مطلق، أي: وما جماعة أموالكم ولا جماعة أولادكم، و (إلا من آمن) : مستثنى من الكاف في «تُقربكم» ، متصل، وقيل: منقطع.
و (من) : شرط، جوابه: (فأولئك) . وعلى الاتصال ف «مَن» منصوبة بتُقرب.
يقول الحق جلّ جلاله: وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى أي: قُربة، إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً، يعني أن الأموال لا تُقرب أحداً إلا المؤمن الصالح، الذي يُنفقها في سبيل الله. والأولاد لا تُقرب أحداً من الله إِلا مَن علَّمهم الخير، وفقَّههم في الدين، وأرشدهم للصلاح والطاعة، فإنَّ عملهم يجري عليه بعد موته لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انْقََطََعَ عَمَلُه إِلاَّ مَن ثلاثٍ: صَدَقَةٍ جَاريَةٍ، وعِلْمٍ بثَّه في صُدور الرِّجالِ، وولدٍ صالح يدعُو له بَعدَ موته» «1» .
فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ أي: تضاعف لهم حسناتهم، الواحدة عشراً إلى سبعمائة، على قدر النية والإخلاص. وهو من إضافة المصدر إلى المفعول. والأصل: يجازون الضعفَ، ثم جزاءٌ الضعفَ، ثم أضيف. وقرأ يعقوب بالنصب على التمييز، أي: فأولئك لهم الضعف لأعمالهم جزاءُ بِما عَمِلُوا أي: بأعمالهم وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ أي: في غرفات الجنان آمنون من كل هائل وشاغل. وقرأ حمزة: «في الغرفة» إرادة الجنس.
وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا في إبطالها، بالرد والطعن مُعاجِزِينَ: مغالبين لأنبيائنا، أو: سابقين، ظانين أنهم يفوتوننا، أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ يحضرونه فيحيط بهم.
الإشارة: الأموال والأولاد لا تقرب العبد ولا تُبعده، إنما يقربه سابق العناية، ويبدعه سابق الشقاء، فمن سبقته العناية قرّبته أمواله، بإنفاق المال في سبيل الله، وإرشاد الأولاد إلى طاعة الله، ومَن سبق له الشقاء صرف أمواله