مكية، إلا قوله: وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ.. الآية «1» ، فاختلف فيه، مكى أو مدنى؟ وهى خمس وخمسون آية. ومناسبتها لما قبلها: قوله: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ «2» مع قوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ، وكأنه يشير إلى أنه تعالى غنى عمن حمل الأمانة، ومن لم يحملها، فمن حملها فلنفسه، ومن تركها فعليها، وإن الله لغنى عن العالمين، ولذلك افتتح بالثناء عليه، فقال:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (?) يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (?)
يقول الحق جلّ جلاله: الْحَمْدُ لِلَّهِ، إن أُجري على المعهود فهو بما حمد به نفسه محمود، وإن أجرى على الاستغراق فله لكل المحامد الاستحقاق. واللام في (لله) للتمليك لأنه خالقُ ناطقِ الحمد أصلاً، فكان بملكه مالك للحمد، وللتحميد أهلاً، الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ خلقا، وملكا، وقهرا، فكان حقيقا بأن يُحمد سرًّا وجهراً، وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ كما له الحمد في الدنيا إذ النعم في الدارين هو مُوليها والمُنعم بها.
غير أن الحمد هنا واجب لأن الدنيا دار التكليف. وثمَّ لا لأن الدار دار التعريف، لا دار التكليف. وإنما يحمد أهل الجنة سروا بالنعيم، وتلذذاً بما نالوا من الفوز العظيم، كقوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ.. «3» والْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ.. «4» فأشار إلى استحقاقه الحمد في الدنيا بقوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وأشار إلى استحقاقه في الآخرة بقوله: وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ بتدبير ما في السموات والأرض، الْخَبِيرُ بضمير مَن يحمده ليوم الجزاء والعَرْض.
يَعْلَمُ ما يَلِجُ: ما يدخل فِي الْأَرْضِ من الأموات والدفائن، وَما يَخْرُجُ مِنْها من النبات وجواهر المعادن، وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ من الأمطار وأنواع البركات، وَما يَعْرُجُ يصعد فِيها من الملائكة والدعوات، وَهُوَ الرَّحِيمُ بإنزال ما يحتاجون إليه، الْغَفُورُ بما يجترئون عليه. قاله النسفي.