قلت: والذي يظهر أن من أرجاه صلى الله عليه وسلم من النساء إنما كان بوحي، ومَن ضمه كذلك إذ لا يتصرف إلا بإذن من الله، فإذا عَلِمَ النساءُ أن الإرجاء والإيواء كان بوحي من الله رضين بذلك، وقرّت أعينهن، وزال تغايرهن، وأما مطلق التفويض إليه فقط، فلا يقطع الغيرة في العادة، فالإشارة تعود إلى حكم الإرجاء والإيواء فتأمله. و «كلهن» :
تأكيد ضمير «يَرْضَيْن» .
وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ من أمر النساء، والميل إلى بعضهن، أو: يعلم ما في قلوبكم من الرضا بحُكم الله والتفويض إليه، ففيه تهديد لمَن لم يرضَ منهن بما دبَّر الله، وفوّض إلى رسوله، وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً بذات الصدور، حَلِيماً لا يُعاجل بالعقوبة، فهو حقيق بأن يُتقى ويُحذر.
الإشارة: إذا تحقق فناء العبد وزواله، وتكملت ولايته، كان مفوضاً إليه في الأمور، يفعل ما يشاء، ويترك ما يشاء، لم يبقَ عليه تحجير، ولم يتوجه إليه عتاب لأن العبد المملوك إذا تحققت محبة سيده له، كتب له عقد التحرير. وشاهده حديث: «إِذَا أحَبَّ الله عَبْداً لمْ يضُره ذَنْبٌ» (?) ، وحديث البخاري: «لعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غَفَرتُ لَكم» (?) ، وسببه معلوم.
وفي القوت عن زيد بن أرقم: إن الله عزّ وجل ليُحب العبد، حتى يبلغ من حبه أن يقول له: اصنع ما شئت، فقد غفرتُ لك. وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلى رضى الله عنه: يبلغ الولي مبلغا يقال له: أصحبناك السلامة، وأسقطنا عنك الملامة، فاصنع ما شئت. ومصداقه من كتاب الله: قوله تعالى في حق سليمان عليه السلام: هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ (?) . وهذا وإن كان للنبي من أجل العصمة، فلمن كان من الأولياء في مقام الإمامة قسط منه،