ثم بيّن أن من كان فى نور الطاعة والإحسان، ليس كمن كان فى ظلمة الكفر والعصيان، فقال.
أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20)
يقول الحق جلّ جلاله: أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً بالله ورسله كَمَنْ كانَ فاسِقاً خارجاً عن الإيمان، لا يَسْتَوُونَ أبداً عند الله تعالى. وأفرد، أولاً مراعاة للفظ «من» ، وجمع ثانياً مراعاة لمعناها. ثم فصّل حالهم بقوله: أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى أي: المسكن الحقيقي، وأما الدنيا، فإنها منزل انتقال وارتحال، لا محالة، وقيل: المأوى: جنة من الجنان. قال ابن عطية: سميت جنة المأوى لأن أرواح المؤمنين تأوي إليها. هـ. أي: في الدنيا لأنها في حواصل طير خضر، كما ورد في الشهداء، وأما الصدِّيقون فإنها تشكل على صور أجسادها، تسرح حيث شاءت. نُزُلًا بِما كانُوا يَعْمَلُونَ أي: عطاء معجلاً بأعمالهم. والنُزُل:
ما يقدم للنازل، ثم صار عاماً.
وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ أي: هي ملجأهم ومنزلُهم، كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها، فلا خروج منها، ولا موت، وَقِيلَ لهم: ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ، هذا دليل على أن المراد بالفاسق: الكافر إذ التكذيب يقابل الإيمان. قال ابن جزي: فإن قيل: لِمَ وصف، هنا، العذاب، وأعاد عليه الضمير، ووصف، في سبأ، النار وأعاد عليها الضمير، فقال: عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ «1» ؟
فالجواب من ثلاثة أوجه: الأول: أنه خص العذاب في السجدة بالوصف اعتناء به لَمَّا تكرر ذكره في قوله:
لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ..، الثاني: أنه تقدم في السجدة ذكر النار، فكان الأصل أن يذكرها بعد ذلك بلفظ المضمر، لكنه جعل الظاهر مكان المضمر، فكما لا يوصف المضمر لم يوصف ما قام مقامه، وهو النار، فوصف العذاب، ولم يصف النار، الثالث- وهو الأقوى: أنه امتنع في السجدة وصف النار، فوصف