قال القشيري: يرسل رياحَ الرجاءِ على قلوب العُبَّاد، فتكنس قلوبهم من غبار الحسد وغُثَاء النفس، ثم يرسل عليها أمطار التوفيق، فتحملهم إلى بساط الجُهْدِ، وتكرمهم بقوى النشاط. ويرسل رياحَ البَسْطِ على أرواح الأولياء فتطهرها من وَحْشَةِ القبض، وتنشر فيه لذاذات الوصال، ويرسل رياحَ التوحيد فتهب على أسرار الأصفياء، فتطهرها من آثار الأغيار، وتبشرها بدوام الوصال. فذلك ارتياحٌ به، ولكن بعد اجتناحٍ عنك. هـ. أي: بعد ذهابٍ عنك وزوال. والله تعالى أعلم.

ثم سلّى نبيه بمن قبله، فقال:

[سورة الروم (30) : آية 47]

وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)

قلت: (حقاً) : خبر «كان» ، و (نصر) : اسمها. أو: (حقاً) : خبر «كان» ، واسمها: ضمير الانتقام، فيوقف عليه، و (علينا نصر) : مبتدأ وخبر.

يقول الحق جلّ جلاله: لَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ

بالمعجزات البينات الواضحات، فكذبوهم انْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا

بالتدمير، كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ

أي:

وكان نصر المؤمنين، بإنجائهم من العذاب، حقاً واجباً علينا بإنجاز وعدنا إحساناً. أو: وكان الانتقام من المجرمين حقاً لا شك فيه، ثم علينا، من جهة الإحسان، نصر المؤمنين. قال البيضاوي: فيه إشعار بأن الانتقام لهم- أي: من عدوهم- إظهار لكرامتهم، حيث جعلهم مستحقين على الله أن ينصرهم. وعنه صلى الله عليه وسلم: «ما من امرئ مُسْلِمٍ يُردّ عن عِرْضِ أَخِيه، إلا كان حقاً على الله أن يردّ عنْه نارَ جهنم» ، ثم تلا الآية «1» . أي: كانَ حَقًّا عَلَيْنا..

إلخ.

الإشارة: هكذا جرت سُنَّة الله تعالى، مع خواصه، أن ينتقم ممن آذاهم، ولو بعد حين. وقد يكون الانتقام باطناً بنقص الإيمان وقساوة القلب، وهو أقبح. قال القشيري: فانتقمنا من الذين أجرموا، وأخذناهم من حيث لم يحتسبوا، وشَوَّشْنا عليهم ما أمَّلوا، ونقصنا عليهم ما استطابوا وتنعّموا. كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ

، وطئهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015