فقد الطاقة، كما قالوا: رحْب الذراع، إذا كان مُطيقاً للأمور، والأصلَ فيه: إن الرجل إذا طالت ذراعه نال ما لا يناله القصير، فاستعير للطاقة والقوة وعدمها.
وَقالُوا، لمّا رأوا فيه أثر الضجر والخوف: لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ على تمكنهم منا، إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ أي: وننجي أهلك، فالكاف في محل الجر، و «أهلك» : نصب بفعل محذوف، إِلَّا امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ. في الكلام حذف يدل عليه ما في هود (?) ، أي: لا تخف ولا تحزن من أجلنا، إنهم لن يصلوا إليك ونحن عندك، بل يهلكون جميعاً، وأما أنت فإنا منجوك.. إلخ لأن خوفه إنما كان عليهم لا على نفسه. أو يقدر: إنا منجوك وأهلك بعد هلاكهم. ثم قالوا: إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً عذاباً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ بسبب فسقهم.
وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها من القرية آيَةً بَيِّنَةً، هى حكايتها الشائعة، أو آثار منازلهم الخربة، وقيل: الماء الأسود على وجه الأرض، حيث بقيت أنهارهم مسودة، وقيل: الحجارة المسطورة، فإنها بقيت بعدهم آية لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ يستعملون عقولهم في الاعتبار والاستبصار. والله تعالى أعلم.
الإشارة: قوله تعالى: وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ قال القشيري: من جملة المنكر: تخلية الفُسَّاق مع فِسقهم، وترك القبض على أيديهم، ومن ذلك: ترك الاحتشام للشيوخ والأكابر. هـ. وقال في قوله تعالى: إِنَّ فِيها لُوطاً، لما أخبروه بمقصدهم من إهلاك قوم لوط، تكلم في شأن لوط، إلى أن قالوا: لَنُنَجِّيَنَّهُ.. إلخ، فدلّ ذلك على أن الله تعالى لو أراد إهلاك لوط، ولو كان بريئاً، لم يكن ظلماً، لو كان ذلك قبيحاً لما كان إبراهيم- مع وفْر علمه- يُشكل عليه، حتى كان يجادل عنه، بل لله أن يعذِّبُ مَنْ يعذِّب ويعافي، من يعافي بلا حَجر هـ.
قال شيخ شيوخنا الفاسي في حاشيته: وما ذكره واضح من حيث العقيدة، وإن كانت الآية، وقولُ إبراهيم يحتمل أن يكون من نوع قوله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ (?) . والمعنى الأول معلوم من قوله تعالى:
قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ (?) الآية. هـ. قلت: ظاهر قوله تعالى: يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ (?) أن مجادلته كانت عن قومه فقط لغلبة الشفقة عليه، كما هو شأنه، ولذلك