مكية إلا قوله: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ.. الآية «1» . وهى ثمان وثمانون آية. ومناسبتها لما قبلها:
قوله: وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ «2» ، مع قوله: تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ فإنه عين القرآن المتلو. وقيل: وجه المناسبة:
قوله: سَيُرِيكُمْ آياتِهِ «3» ، مع قوله: تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ فإن تنزيل الكتاب من أعظم الآيات. وافتتح بالرموز التي يستعملها بينه وبين حبيبه، فقال:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
طسم (?) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (?) نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (?)
يقول الحق جلّ جلاله: طسم، إما مختصرة من أسماء الله تعالى، أقسم على حقّية كتابه، وما يتلى فيه، كأنها مختصرة من طهارته- أي: تنزيهه- وسيادته، ومجده، أو: من أسماء رسوله- وهو الأظهر- أي: أيها الطاهر السيد المجيد تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ، إما من بان، أو: أبان، أي: بيِّن خيره وبركتُه، أو: مُبين للحلال والحرام، والوعد والوعيد، والإخلاص والتوحيد، نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ أي: بعض خبرهما العجيب. قال القشيري: كرَّر الحقُّ قصةَ موسى تعجيباً بشأنه، وتعظيماً لأمره، ثم زيادة في البيان لبلاغة القرآن، ثم أفاد زوائد من الذكر في كل موضعٍ يُكرره. هـ.
هذا مع الإشارة إلى نصر المستضعفين، والامتنان عليهم بالظفر والتمكين، ففيه تسلية لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ووعد جميل له ولأمته. وقوله: بِالْحَقِّ: حال من فاعل نَتْلُوا، أو: من مفعوله، أو: صفة لمصدر محذوف، أي:
ملتبسين، أو: ملتبساً بالحق، أو: تلاوة ملتبسة بالحق. لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ لمن سبق في علمنا أنه يُؤمن لأن التلاوة إنما تنفع هؤلاء دون غيرهم، فهو متعلق بنتلوا. والله تعالى أعلم.
الإشارة: تقديم هذه الرموز، قبل سرد القصص، إشارة إلى أنه لا ينتفع بها كل الانتفاع حتى يتطهر سره، وَيُلْقِيَ سَمْعَهُ، وهو شهيد، فحينئذٍ يكون طاهراً سيداً مجيداً، ينتفع بكل شيء، ويزيد إلى الله بكل شيء. ولذلك خص تلاوة قصص موسى بأهل الإيمان الحقيقي لأنهم هم أهل الاعتبار والاستبصار. والله تعالى أعلم.