تنشق عنه، فتخرجون منها إلى ربكم تنسلون، عراةً، حفاةً، غُرلاً، مهطعين إلى الداعي، فيقول الكافر: هذا يوم عسير. نقله الثعلبي (?) .
ثم قال تعالى: صُنْعَ اللَّهِ، هو مصدر مؤكد لمضمون ما قبله، أي: صَنَعَ الله ذلك صُنعاً، على أنه عبارة عما ذكر من النفخ في الصور، وما ترتب عليه جميعاً. قصد به التنبيه على عِظَم شأن تلك الأفاعيل، وتهويل أمرها، والإيذان بأنها ليست بطريق الإخلال بنظم العالم، وإفساد أحوال الكائنات، من غير أن تدعو إليه داعية، بل هي من بدائع صنع الله تعالى، المبنية على أساس الحكمة، المستتبعة للغايات الجليلة، التي لأجلها رتبت مقدمات الخلق ومبادئ الإبداع، على الوجه المتين، والنهج الرصين، كما يُعرب عنه قوله: الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ أي: أحكم خلقه وسوّاه، على ما تقتضيه الحكمة.
وقوله تعالى: إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ: تعليل لكون ما ذكر صنعاً محكماً له تعالى لبيان أن علمه بظواهر أفعال المكلفين وبواطنها، مما يدعو إلى إظهارها وبيان كيفياتها، على ما هي عليه من الحسن والسوء، وترتيب أجزيتها عليها بعد بعثهم وحشرهم.
وقوله تعالى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها: بيان لما أشير إليه بإحاطة علمه تعالى بأفعالهم من ترتيب أجزيتها عليها، أي: من جاء من أولئك الذين أوتوه بالحسنة فله خير منها، باعتبار أنه أضعفها بعشر، أو: باعتبار دوامه وانقضائها، وعن ابن عباس رضي الله عنه: «الحسنة: كلمة الشهادة» (?) وَهُمْ أي: الذين جاءوا بالحسنات مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ أي: من فزع هائل، وهو الفزع الحاصل من مشاهدة العذاب، بعد تمام المحاسبة، وظهور الحسنات والسيئات. وهو المراد في قوله تعالى: لاَ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ (?) .
وقال ابن جريج: حين يُذبح الموت ويُنادى: يا أهل الجنة خلود لا موت، ويا أهل النار خلود لا موت.
فيكون هؤلاء مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ، أي: يوم إذ ينفخ في الصور وما بعده آمِنُونَ لا يعتريهم ذلك الفزع الهائل، ولا يلحقهم ضرره أصلاً. وأما الفزع الذي يعتري كل من السموات ومَن في الأرض، غير ما استثناه الله تعالى، فإنما هو التهيب والرعب الحاصل في ابتداء النفخة، من معاينة فنون الدواهي والأهوال، ولا يكاد يخلو منه أحد بحكم الجبلة، وإن كان آمناً من لحوق الضرر. قال جميعه أبو السعود.