قلت: «ماذا» تأتي على أوجه أحَدُها: أن تكون «ما» : استفهاماً، و «ذا» : إشارة، نحو: ماذا التواني.

الثاني: أن تكون «ما» : استفهاماً، و «ذا» : موصولة، كقول لبيد:

ألا تَسْأَلانِ المرْءَ ماذا يُحاوِلُ؟ ... أَنَحْبٌ فَيُقْضَى، أَمْ ضَلالٌ وباطِلُ؟

الثالث: «ماذا» كله: استفهام على التركيب، كقولك: لماذا جئت؟. الرابع: أن تكون «ماذا» كله: اسم جنس بمعنى شيء، أو: بمعنى «الذي» كقوله: دعني ماذا علمت؟، وتكون «ذا» زائدة. انظر القاموس.

يقول الحق جلّ جلاله: وَاذكر يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً، الفوج: الجماعة الكثيرة.

و «من» : للتبعيض، أي: واذكر يوم نجمع من كل أمة من أمم الأنبياء جماعة كثيرة مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا، «مِن» : لبيان الفوج، أي: فوجاً مكذبين بآياتنا، المنزلة على أنبيائنا، فَهُمْ يُوزَعُونَ: يُحبس أولهم على آخرهم، حتى يجتمعوا، حين يُساقون إلى موضع الحساب. وهذه عبارة عن كثرة العدد، وتباعد أطرافهم، والمراد بهذا الحشر: الحشر للعذاب، والتوبيخ والمناقشة، بعد الحشر الكلي، الشامل لكافة الخلق. وعن ابن عباس: (المراد بهذا الفوج: أبو جهل، والوليد بن المغيرة، وشيبة بن ربيعة، يُساقون بين يدي أهل مكة) وهكذا يُحشر قادة سائر الأمم بين أيديهم إلى النار.

حَتَّى إِذا جاؤُ إلى موقف السؤال والجواب، والمناقشة والحساب، قالَ أي: الله عزّ وجل، موبخاً لهم على التكذيب: أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي المنزلة على رسلي، الناطقة بلقاء يومكم، وَالحال أنكم لَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أي: أكذبتم بها في بادئ الرأي، من غير فكر، ولا نظر، يؤدي إلى إحاطة العلم بكنهها، وأنها حقيقة بالتصديق حتماً. وهذا نص في أن المراد بالآيات في الموضعين هي الآيات القرآنية. وقيل: هو عطف على «كذبتم» ، أي: أجمعتم بين التكذيب وعدم التدبر فيها. أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ؟ حيث لم تتفكروا فيها، فإنكم لم تُخلقوا عبثاً. أو: أيُّ شيء كنتم تعملون، استفهام، على معنى استبعاد الحجج، أي: إن كانت لكم حجة وعمل فهاتوا ذلك. وخطابهم بهذا تبكيت لهم. ثم يُكبون في النار، وذلك قوله تعالى: وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أي: حلَّ بهم العذاب، الذي هو مدلول القول الناطق بحلوله ونزوله، بِما ظَلَمُوا: بسبب ظلمهم، الذي هو تكذيبهم بآيات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015