لسانه، من غير قصد، قوله تعالى: فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ إلى قوله: وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ فتهلل وجه الشيخ، وقال: ما بعد بيان الله من بيان، فتابوا واهتدوا إلى الحق، ورجعوا عن مذهبهم، وشفا الله قلوبهم من مرض الاعتزال. فهذا شأن العارفين بالله، جعلهم الله شفاء من كل داء، لكن الأعمى والأصم لا يُبصر الداعي، ولا يَسمع المنادي. ولذلك قال تعالى: فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى.. إلخ: قال الورتجبي: الميت: من ليس له استعداد لقبول المعرفة الحقيقية بغير الدلائل، والأصم: من كان أذن قلبه مسدودة بغواشي القهر، ومَن كان بهذه الصفة لا يقبل إلا ما يليق بطبعه وشهواته. هـ.
ثم ذكر بعض مقدمات الساعة، التي كانوا يستعجلونها، فقال:
وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ (82)
يقول الحق جلّ جلاله: وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أي: وقع مصداق القول الناطق بمجيء الساعة، بأن قَرُب إتيانها، وظهرت أشراطها، فأراد بالوقوع: دنوه واقترابه، كقوله: أَتى أَمْرُ اللَّهِ ... «1» رُوي أن ذلك حين ينقطع الخير، ولا يُؤمر بمعروف ولا يُنهى عن منكر، ولا يبقى منيب ولا تائب. و «وقع» : عبارة عن الثبوت واللزوم، وهذا بمنزلة: حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ «2» أي: وإذا انتجز وعد عذابهم الذي تضمنه القول الأزلي، وأراد أن ينفذ في الكافرين سابق علمه لهم من العذاب، أخرج لهم دابة من الأرض. وفي الحديث: «إن الدابة، وطلوع الشمس من المغرب، من أول الأشراط» «3» .
فلا ينبغي لهؤلاء الكفرة ترك الإيمان حيث ينفعهم، ويتطلبون وقوع الساعة الموعود بها، التي لا ينفع الإيمان لمن لم يكن آمن، مع ظهور مقدماتها، فضلاً عنها. فإذا وقع الوعد وَسَمَت الدابة مَن لم يؤمن بِسمة الكفر، وكان ذلك طبعاً وختماً، فلا يقبل منه إيمان، ويقال له: أيها الكافر لم تؤمن بالآيات غيباً، فلا يقبل منك بعد رؤيتها عينا.