الأرض، لا عند سيرهم في الهواء. وجواب (إذ) قوله: قالَتْ نَمْلَةٌ، وكأنها لما رأتهم متوجهين إلى الوادي فرّت منهم، فصاحت صيحة، فنبهت بها ما بحضرتها من النمل.
قال كعب: مرّ سليمان عليه السلام بوادي السدير، من أودية الطائف، فأتى على واد النمل، فقالت نملة، وهي تمشي، وكانت عرجاء تتكاوس، مثل الذئب في العِظَم. قال الضحاك: كان اسم تلك النملة طاحية، وقيل: منذرة، وقيل:
جرمي. وقال نوف الحميري: كان نمل وادي سليمان أمثال الذباب (?) . وعن قتادة: أنه دخل الكوفة، فالتف عليه الناس، فقال: سلوني عما شئتم، فسأله أبو حنيفة، وهو شاب، عن نملة سليمان، أكان ذكراً أو أنثى؟ فأفحم، فقال أبو حنيفة: كانت أنثى، فقيل له: بم عرفت؟ فقال: قوله تعالى: قالَتْ نَمْلَةٌ ولو كان ذكراً لقال: قال نملة. هـ.
قلت: وهو غير صحيح لِمَا تقدم عن الرضي (?) .
قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لم يقل: ادخلن لأنه لَمَّا جعلها قائلة، والنمل مقولاً لهم، كما يكون من العقلاء، أجرى خطابهن مجرى ذوي العقل، لا يَحْطِمَنَّكُمْ لا يكسرنّكم. والحطم: الكسر، وهو في الظاهر نهى لسليمان عن الحطم، وفي الحقيقة نهى لهم عن البروز والوقوف على طريقه، نحو: لا أرينك هاهنا، أي: لا تتعرضوا فيكسرنكم سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ، وقيل: أراد: لا يحطمنكم جنود سليمان، فجاء بما هو أبلغ. وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ لا يعلمون بمكانكم، أي: لو شعروا ما فعلوا. قالت ذلك على وجه العذر، واصفةً سليمان وجنوده بالعدل، فحمل الريح قولها إلى سليمان على ثلاثة أميال.
رُوي أن سليمان قال لها: لم حذرت النمل، أَخفتِ ظلمي؟ أما عَلِمتِ أني نبي عدل، فلِمَ قُلتِ: لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ؟ فقالت: أما سمعتَ قولي: وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ، مع أني لم أُرد حَطْم النفوس، وإنما أردت حطم القلوب، خشيتُ أن يتمنينَّ ما أُعطيتَ، ويشغلن بالنظر إليك عن التسبيح، فقال لها سليمان: عظيني، فقالت: هل علمتِ لِمَ سُمي أبوك داود؟ قال: لا، قالت: لأنه داوى حرجه. هل تدري لِمَ سميت سليمان؟ قال: لا، قالت: لأنك سليم، ما ركنت إلى ما أوتيت، لسلامة صدرك، وأنَى لك أن تلحق أباك. ثم قالت: اتدري لِمَ سخر الله لك الريح؟
قال: لا، قالت: أخبرك الله أن الدنيا كلها ريح. قال ابن عباس: ومن هنا «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل أربعة من الدواب: الهدهد، والصُّرد، والنحلة، والنملة (?) » .