فإنك متحقق بما كافحناك به، وخاطبناك على مقامٍ لو شاهدك فيه جبريل لاحترق. هـ. على تصحيف في النسخة.
وبالله التوفيق.
ثم هددهم بنزول العذاب، فقال:
أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (204) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ (206) ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ (207) وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ لَها مُنْذِرُونَ (208)
ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ (209)
يقول الحق جلّ جلاله توبيخاً لمن اقترح نزول العذاب، كقولهم: فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ «1» : أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ مع كونهم لا يطيقونه إذا نزل بهم؟ وتقديم الجار للإيذان بأن مصب الإنكار والتوبيخ هو كون المُسْتَعْجَلِ به عذابَه، مع ما فيه من رعاية الفواصل.
أَفَرَأَيْتَ أي: أخبرني. ولما كانت الرؤية من أقوى أسباب الإخبار بالشيء وأشهرها شاع استعمال «أرأيت» في معنى أخبرني. والخطاب لكل من يسمع، أي: أخبرني أيها السامع: إِنْ مَتَّعْناهُمْ إن متعنا هؤلاء الكفرة سِنِينَ متطاولة بطول الأعمار وطيب المعاش، ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ من العذاب، ما أَغْنى عَنْهُمْ أي: أىّ شىء، أو أيُّ إغناء أغنى عنهم ما كانُوا يُمَتَّعُونَ أي: كونهم متمتعين ذلك التمتع المديد، أيُّ شيء أغنى في دفع العذاب، و (ما) : مصدرية، أو: ما كانوا يتمتعون به من متاع الحياة الدنيا، على أنها موصولة، حذف عائدها، وأيا ما كان فالاستفهام للإنكار والنفي. وقيل: (ما) : نافية، أي: لم يغن عنهم تمتعهم المتطاول في دفع العذاب. والأول أرجح.
وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ من القرى المهلكةَ، إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ قد أنذروا أهلها لتقوم الحجة عليهم، ذِكْرى أي: تذكرة، وهو مصدر منذرون لأن أنذر وذكر متقاربان، كأنه قيل: لها مُذكرون تذكرة. أو مفعول له، أي: ينذرونهم لأجل التذكرة والموعظة، أو خبر، أي: هذه ذكرى، أو يكون ذكرى متعلقة بأهلكنا مفعولاً له، والمعنى: وما أهلكنا من أهل قرية ظالمين إلا بعد ما ألزمناهم الحجة، بإرسال المنذرين إليهم ليكون إهلاكهم تذكرة وعبرة لغيرهم، فلا يعصون مثل عصيانهم، وَما كُنَّا ظالِمِينَ فنهلك قوماً غير ظالمين، أو قبل