تعالى، ويطلب الزلفى عنده بالإيمان والطاعة، حسبما أدعوكم إليهما. فَصوّر ذلك بصورة الأجر من حيث أنه مقصود الإتيان به، واستثناه منه قطعاً لشائبة الطمع، وإظهاراً لغاية الشفقة عليهم، حيث جعل ذلك، مع كون نفعه عائداً إليهم، عائدا إليه صلى الله عليه وسلم. والله تعالى أعلم.
الإشارة: العلماء بالله خلفاء الرسل، فما أظهرهم الله في كل زمان إلا ليذكروا الناس ويعظوهم، ويبشروهم ويُنذروهم، من غير عوض ولا طمع، فإن تعلقت همتهم بشيء من عرض الدنيا من أيدي الناس، كسَف ذلك نورهم، وانتقص نفعهم، وقَلَّ الاهتداء على أيديهم، وقد تقدّم هذا مراراً. وبالله التوفيق.
ثم أمر نبيه بالتوكل، ليغيب عن خيرهم وشرهم، وعن طلب الأجر منهم، فقال:
وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً (58) الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (59) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً (60)
يقول الحق جلّ جلاله: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ في الاستكفاء عن شرورهم، والاغتناء عن أجورهم، أي: ثق به فإنه يكفيك عن الطمع فيمن يموت، فلا تطلب على تبليغك من مخلوق أجراً، فإن الله كافيك. قرأها بعض الصالحين فقال: لا يصح لذي عقل أن يثق بعدها بمخلوق. وَسَبِّحْ أي: ونزهه أن يكل إلى غيره مَنْ تَوَكَّلَ عليه، بِحَمْدِهِ أي: بتوفيقه الذي يوجب الحمد، أو: قل سبحان الله وبحمده، أو: نزهه عن صفات النقصان، مثنياً عليه بنعوت الكمال، طالباً لمزيد الإنعام، وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً أي: كفى الله خبيراً بذنوب عباده، ما ظهر منها وما بطن، يعني: أنه خبير بأحوالهم، كافٍ في جزاء أعمالهم الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ أي: في مدة مقدارها [ستة أيام] «1» إذْ لم يكن ليل ولا نهار. وعن مجاهد: أولها يوم الأحد، وآخرها يوم الجمعة، وإنما خلقها في هذه المدة، وهو قادر على خلقها في لحظة، تعليماً لخلقه الرفق والتثبت. ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ استواء يليق به، الرَّحْمنُ أي: هو الرحمن، أو:
فاعل استوى، أي: استوى الرحمن برحمانيته على العرش وما احتوى عليه. وراجع ما تقدم في الأعراف. «2» فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً