مكية. وهى سبع وسبعون آية. ومناسبتها لما قبلها: ما فى خاتمتها من تعظيم الرسول- عليه الصلاة والسلام- وما افتتحت به من تعظيمه أيضا لكونه نذيرا للعالمين. وناسب قوله فى هذه: الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، قوله فيما قبلها: أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ «1» .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (?) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (?)
يقول الحق جلّ جلاله: تَبارَكَ أي: تكاثر خيره وتزايد، أو: دام واتصل. وهي كلمة تعظيم لم تستعمل إلا لله، والمستعمل منها الماضي فقط، والتفاعل فيها للمبالغة. ومعناها راجع إلى ما يفيض سبحانه على مخلوقاته من فنون الخيرات، التي من جملتها: تنزيل القرآن، المنطوي على جميع الخيرات الدينية والدنيوية، أي:
تعاظم الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ أي: القرآن، مصدر فرق بين اثنين، إذا فصل بينهما. سمي به القرآن لفصله بين الحق والباطل، والحلال والحرام، أو: لأنه لم ينزل جملة، ولكن مفروقاً مفصولاً بين أجزائه شيئاً فشيئاً، ألا ترى إلى قوله: وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ «2» ؟
أنزله عَلى عَبْدِهِ محمد صلى الله عليه وسلم، وإيراده- عليه الصلاة والسلام- بذلك العنوان لتشريفه، والإيذان بكونه في أقصى مراتب العبودية، والتنبيه على أن الرسول لا يكون إلا عبداً للمُرسل رداً على النصارى. أنزله لِيَكُونَ العبد المنزل عليه، أو الفرقان لِلْعالَمِينَ من الثقلين، زاد بعضهم: والملائكة، أرسل إليهم ليتأدبوا بأدبه، حيث لم يقف مع مقام ولا حال، ويقتبسوا من أنواره، وهو حكمة الإسراء، وقيل: حتى إلى الحيوانات والجمادات، أُمرت بطاعته فيما يأمرها به، وبتعظيمه- عليه الصلاة والسلام-. وهذا كله داخل في العالمين لأن ما سوى الله كله عالم كما تقدم في الفاتحة. وعموم الرسالة من خصائصه- عليه الصلاة والسلام-. نَذِيراً أي: مخوِّفاً، وعدم التعرض للتبشير لأن الكلام مسوق لأحوال الكفرة، ولا بشارة لهم.