ثم أسقط الحرج عن الأعمى فى الاستئذان، واستطرد معه غيره، ممن اشترك معه فى مطلق العذر، وإن اختلف المرخّص فيه، فقال:
لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)
يقول الحق جلّ جلاله: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ في الدخول من غير استئذان لأنه لا يتوقع منه نظر لما يكره. وكذلك لا حرج عليه فيما لا قدرة له عليه من الجهاد وغيره، ثم استطرد من شاركه في مطلق العذر فقال: وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ فيما لا يقدر عليه من الجهاد وغيره، وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ في ذلك.
وقال سعيد بن المُسَيِّب: كان المسلمون إذا خرجوا إلى الغزو وضعوا مفاتيح بيوتهم عند الأعمى والأعرج والمريض وعند أقاربهم، ويأذنونهم أن يأكلوا من بيوتهم، فكانوا يتحرجون من ذلك، ويقولون: نخشى أن تكون نفوسهم غير طيبة بذلك، فنزلت الآية، رُخْصَةً لهم «1» . وقيل: كانوا يتحرجون من الأكل معهم لأن الأعمى لا يبصر الطيب من الطعام، والأعرج لا يستطيع المزاحمة عليه، والمريض لا يستطيع استيفاءه «2» . هـ.
وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أي: لا حرج عليكم أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أي: البيت الذي فيه أهل بيتكم أزواجكم وعيالكم، فإذا كان للزوجة أو للولد هناك شيء منسوب إليهما فلا بأس للرجل بأكله لأن الزوجين صارا كنفس واحدة، فصار بيت المرأة بيت الزوج. وقيل: المراد ببيوتكم: بيوت أولادكم، فجعل بيوت أولادهم بيوتهم لأن ولد الرجل من كسبه، وماله كماله، لقوله عليه الصلاة والسلام: «أنت ومالك لأبيك» «3» ، ولذلك لم يذكر الأولاد في الآية لاندراجهم في بيوتكم.