يقول الحق جلّ جلاله: لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ أي: فائتين الله عن إدراكهم وإهلاكهم، في قُطْرٍ من أقطار الأرض، بل لا بد من أخذهم، عاجلاً أو آجلاً، والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلّم أو لكل سامع. والَّذِينَ:
مفعول أول، و (معجزين) : مفعول ثان. وقرأ حمزة والشامي بالغيب، و (الذين) : فاعل، والأول: محذوف، أي:
لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم معجزين فِي الْأَرْضِ. ومَأْواهُمُ النَّارُ: معطوف على محذوف، أي: بل هم مُدْرَكُونَ، وَمَأْواهُمُ النَّارُ أي: مسكنهم ومرجعهم، وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ أي: والله لبئس المرجع هي. وفي إيراد النار، بعنوان كونها مأوى ومصيراً لهم، إثر نفي قوتهم بالهرب في الأرض كل مهرب، من الجزالة ما لا غاية وراءه. والله تعالى أعلم.
الإشارة: لا تحسبن أهل الانتقاد على أولياء الله أنهم فائتون، بل لا بد من غيرة الله عليهم، عاجلاً أو آجلاً، في الظاهر أو الباطن، ومأواهم نار القطيعة ولبئس المصير. وقال القشيري على هذه الآية: الباطل قد تكون له صَوْلَةٌ لكنه يختل، وما لذلك بقاء، ولعل لبثه من عارض الشتاء في القيظ، أي: الحر. هـ «1» . والله تعالى أعلم.
ثم تمم الكلام على الاستئذان المتقدم، ووسط بينهما مواعظ تحث على الامتثال، فقال:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59)
يقول الحق جلّ جلاله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، ويدخل فيه النساء، لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ من العبيد والإماء، وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ أي: والأطفال الذين لم يحتلموا من الأحرار،