وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن زنا بامرأة ثم تزوجها. فقال: «أَوَّلُهُ سِفَاحٌ، وآخره نكاح، والحرام لا يُحرم الحلال» (?) .
ومعنى الجملة الأولى: وصفُ الزاني بكونه غير راغب في العفائف، ولكن في الفواجر. ومعنى الثانية: وصف الزانية بكونها غير مرغوب فيها للأعفاء، ولكن الزناة، وهما معنيان مختلفان. وقدّم الزاني هنا، بخلاف ما تقدم في الجلد لأن تلك الآية سيقت لعقوبتهما على ماجنيا، والمرأة هي المادة التي منها نشأت تلك الجناية، كما تقدم، وأما هنا فمسوقة لذكر النكاح، والرجل اصل فيه.
ثم ذكر الحُكْم، فقال: وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أي: نكاح الزواني بقصد التكسب، أو: للجمال لِمَا في ذلك من التشبه بالفساق وحضور مواضع التهمة، والتعرض لسوء المقالة والغيبة والطعن في النسب، وغير ذلك من المفاسد التي لا تكاد تليق بأحد من الأداني والأراذل، فكيف بالمؤمنين والأفاضل؟، ولذلك عبّر عن التنزيه بالتحريم، مبالغة في الزجر، وقيل: النفي بمعنى النهي، وقرئ به. والتحريم: إما على حقيقته، ثم نسخ بقوله:
وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ ... (?) إلخ، أو: مخصوص بسبب النزول. والله تعالى أعلم.
الإشارة: الصحبة لها تأثير في الأصل والفرع، فيحصل الشرف أو السقوط بصحبة أهل الشرف أو الأراذل، وفي ذلك يقول القائل:
عَلَيْكَ بأَرْبَابِ الصُّدُورِ، فَمَنْ غَدَا ... مُضَافاً لأَرْبَابِ الصُّدُورِ تَصَدَّرَا
وَإِيَّاكَ أَنْ تَرْضَى بِصُحْبَةِ سَاقِطٍ ... فَتَنحط قَدْراً مِنْ عُلاَكَ وَتَحْقُرَا
فالمرء على دين خليله، ومن تحقق بحالة لا يخلو حاضروه منها، والحكم للغالب، فإن كان النورُ قوياً غلب الظلمةَ، وإن كانت الظلمة قوية غلبت النور، وصيرته ظلمة، ولذلك نهى الله تعالى عن نكاح الزواني، فإنه وإن كان