التنور تنورَ آدم، فصار إلى نوح، وكان من حجارة. واختلف في مكانه، فقيل: في مسجد الكوفة عن يمين الداخل، وقيل: بالشام، وقيل: بالهند.
فإذا فار فَاسْلُكْ فِيها: فَأَدْخِلْ في السفينة مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ من كل أمة اثنين مزدوجين، ذكر وأنثى. قال الحسن: لم يحمل نوح في السفينة إلا ما يلد ويبيص، فأما البق والدود والذباب، فلم يحمل منه شيئاً، وإنما يخرج من الطير. هـ. وَاحمل في السفينة أَهْلَكَ نساءك وأولادك، أو من آمن معك، إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ أي: القول من الله بهلاكه، وهو ابنه وإحدى زوجتيه، وإنما جيء بعلى لكون السابق ضاراً، كما جيء باللام في قوله: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى ... (?) ، وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (?) لكونه نافعاً، ونحوه: لَها مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ (?) ، وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ أي: لا تسألني نجاة الذين كفروا، إنهم مقضى عليهم بالإغراق لا محالة لظلمهم بالإشراك والإصرار، ومَنْ هذا شأنه لا يُشفع له، وكأنه عليه السلام ندم على الدعاء عليهم، حين تحقق هلاكهم، فهَمَّ بمراجعة الحق فيهم شفقة ورحمة، فَنُهي عن ذلك.
ثم قال له: فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فإذا تمكنتم عليها راكبين فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، أُمر بالحمد على هلاكهم والنجاة منهم على طريق: فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (?) . ولم يقل: فقولوا، وإن كان أهله ومن معه قد استووا معه لأنه نبيهم وإمامهم، فكان قوله قولَهم، مع ما فيه من الإشعار بفضل النبوة.
وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي في السفينة، أو منها مُنْزَلًا مُبارَكاً أي: إنزالاً مباركاً، أو موضع إنزال يستتبع خيراً كثيراً، وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ خير من ينزل في كل خير، أُمر عليه السلام بأن يشفع دعاءه بما يطابقه من ثنائه عليه تعالى، توسلاً به إلى إجابة دعائه، فالبركة في السفينة: النجاة فيها، وبعد الخروج منها: كثرة النسل وتتابع الخيرات، إِنَّ فِي ذلِكَ فيما فعل بنوح وقومه لَآياتٍ: لعبراً ومواعظ، وَإِنْ كُنَّا أي: وإن الشأن والقصة كنا لَمُبْتَلِينَ: مُصيبين قوم نوح ببلاء عظيم وعقاب شديد، أو: مختبرين بهذه الآيات عبادنا، لننظر من يعتبر ويذكر، كقوله: وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (?) . والله تعالى أعلم.