قال القشيري: حق الجهاد ما يوافق الأمر في القَدْرِ والوقتِ والنوعِ، فإذا حَصَل في شيءٍ منه مخالفة فليس حَقَّ جهاده. هـ. قلت: موافقة القَدْر، في جهاد النفس، أن يكون بغير إفراط ولا تفريط، فالإفراط يُمل، والتفريط يُخل، وموافقة الوقت أن يكون قبل حصول المشاهدة إذ لا تجتمع مجاهدة ومشاهدة في وقت واحد. والنوع أن يجاهدها بما يُباح في الشرع، لا بمحرم ولا مكروه. وقال في الحاشية: هو الوفاء بالمشروع مع رفع الحرج، بدليل ما بعده، فهو موافق لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ (?)

، ومما هو ظاهر في الآية: الذب عن دينه وتغيير المناكر. هـ.

هُوَ اجْتَباكُمْ: اختاركم لدينه بإظهاره والذب عنه، وهو تأكيد للأمر بالجهاد، أي: وجب عليكم أن تجاهدوا لأنَّ الله اختاركم لإظهار دينه، وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ: ضيقٍ، بل وسع عليكم فى جميع ما كلفكم به، من الطهارة، والصلاة والصوم والحج، بالتيمم والإيماء، وبالقصر في السفر، والإفطار لعذر، وعدم الاستطاعة في الحج. فاتبعوا مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ فإن ما جاءكم به رسولكم موافق لملته في الجملة، لقوله صلى الله عليه وسلم: «جئتكم بالحنيفية السمحة» (?)

، وسماه أبًا، وإن لم يكن أبًا للأمة كلها لأنه أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أبًا لأمته لأن أمة الرسول في حكم أولاده.

قال صلى الله عليه وسلم: «إنَمَّا أَنَا لكُمْ مِثْلُ الوَالِدِ» (?) .

هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ أي: الله، بدليل قراءة أُبي: «الله سماكم» أو إبراهيم لقوله: وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ (?) مِنْ قَبْلُ أي: سماكم من قبل ظهورهم في الكتب السالفة، وَفِي هذا أي: القرآن، فقد فضلكم على سائر الأمم، وسماكم بهذا الاسم الأكرم، لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ أنه قد بلغكم رسالة ربكم، وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ بتبليغ الرسل رسالات الله إليهم. وإذا خصكم بهذه الكرامة والأثرة فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ بواجباتها، وَآتُوا الزَّكاةَ لشرائطها، وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ أي ثقوا به وتوكلوا عليه، لا بالصلاة والزكاة. أو: ثقوا به في جميع أموركم، ولا تطلبوا الإعانة والنصر إلا منه. هُوَ مَوْلاكُمْ: مالككم وناصركم ومتولي أموركم، فَنِعْمَ الْمَوْلى حيث لم يمنعكم رزقكم بعصيانكم، وَنِعْمَ النَّصِيرُ أي: الناصر حيث أعانكم على طاعتكم ومجاهدة نفوسكم وأعدائكم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015