غيرته إذا أقبلوا إلى غير من هو موصوف بالقوة الأزلية والعزة السرمدية. ألا ترى كيف قال: (إِنَّ اللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ) ، ثم بيَّن أنه تعالى اصطفى من الملائكة رسلا، يخبرون عنه ما يتعلق بعجز الخلق عن إدراكه من وصف ذاته وصفاته، بقوله:
اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (76)
يقول الحق جلّ جلاله: اللَّهُ يَصْطَفِي: يختار مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا يرسلهم إلى صفوة خلقه، كجبريل وميكائيل وإسرافيل وغيرهم، وَمِنَ النَّاسِ، كإبراهيم وموسى وعيسى ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، يُعرِّفون بجلال الله ومعرفة قدره، حتى يقدروه حق قدره باعتبارهم لا باعتباره فإنَّ الله تعالى لا يمكن لأحد أن يقدرُه حق قدره. قال سيد العارفين: «لا أُحصي ثناء عليك، أنتَ كَمَا أثنَيتَ عَلى نفسك» . وقيل: نزلت ردًا لما أنكروه من أن يكون الرسول من البشر، وبيانًا أن رُسل الله على ضربين: ملك وبشر. وقيل: نزلت في قولهم: أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا «1»
. إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ أي: سميع لقولهم، بصير بمن يختاره للرسالة. أو سميع لأقوال الرسل، بصير بأحوال الأمم في الردِّ والقبول. يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: ما مضى، وَما خَلْفَهُمْ: ما يأتى، أو ما عملوا وما سيعملونه، أو أمر الدنيا وأمر الآخرة، وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ أي: إليه مرجع الأمور كلها، ليس لأحد أن يعترض عليه في حكمه وتدبيره واختياره مَن شاء من رُسلِه. والله تعالى أعلم.
الإشارة: شرب الخمرة، وهي المحبة الحقيقية والمعرفة الكاملة، لا تكون إلاَّ على أيدي الوسائط، والنادر لا حكم له، فالأنبياء وسائطهم الملائكة، والأولياء وسائطهم خلفاء الأنبياء، وهم أهل العلم بالله الذوقي العِيَاني. وقال الورتجبي- إثر ما تقدم عنه-: فالملائكة وسائط الأنبياء، والأنبياء وسائط العموم، والأولياء للأولياء خاصة. هـ.
وتوسيط الأنبياء للعموم في مطلق المحبة، وتعليم ما يقرب إليها، وأما المحبة الحقيقية فهي خاصة بالأولياء للأولياء، كما قال. وبالله التوفيق.
ثم ذكر سببها، وما يقرب إليها، فقال: