قال ابن جزي: وهذا القول أرجح من الأول لوجهين: أحدهما: أن هذا القول مناسب لمن يعبد الله على حرف لأنه، إذا أصابته فتنة، انقلب وقنط، حتى ظنّ أن لن ينصره الله. ويؤيده من فسّر (أن لن ينصره الله) أي: لن يرزقه إذ لا خير في حياة تخلو من عون الله عزّ وجلّ، فيكون الكلام، على هذا، متصلاً بما قبله.

ويؤيده أيضاً: قوله تعالى، قبله: إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ أي: الأمور بيد الله، فلا ينبغي لأحد أن يسخط من قضاء الله، ولا ينقلب إذا أصابته فتنة، والوجه الثاني: أن الضمير في «ينصره» ، على هذا، يعود على ما تقدّمه ذكر، دون الأول. هـ. وانظر ابن عطية والكواشي، ففيهما ما يدفع درك ابن جزي، ورده للأول، بما في سبب الآية ونزولها من المناسبة.

ثم قال تعالى: وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ أي: ومثل ذلك الإنزال البديع، المنطوي على الحِكَم البالغة، أنزلناه، أي: القرآن الكريم كله، حال كونه آياتٍ بَيِّناتٍ: واضحات الدلالة على معانيها الرائقة، وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي به مَنْ يُرِيدُ هدايته ابتداء، أو يثبته على الهُدى دوامًا، ومحل «أن» : إما الجار، أي: ولأن الله يهدي، أو الرفع، أي: والأمر أن الله يهدي من يريد.

الإشارة: من غلبته نفسُه، وملكته وأسرته في يدها فدواؤه: الفزع إلى الله، والاضطرار إليه آناء الليل والنهار، والمنهاج الواضح في علاجها وقهرها: هو الفزع إلى أولياء الله، العارفين به، الذين سلكوا طريق التربية على يد شيخ كامل، فإذا ظفر بهم، فليلزم صُحبتهم، وليتبع طريقهم، وليسارع إلى فعل كل ما يشيرون به إليه، من غير تردد ولا توقف، فهم معناه، شرعًا، أم لا، فلا شك أن الله ينصره ويُؤيده، ويظفر بنفسه في أسرع مدة. وليس الخبر كالعيان، وجَرَّب.. ففي التجريب علم الحقائق، وكذلك من ابتلي بالوسواس وخواطر السوء في أمر التوحيد، فليفزع إليهم، حتى يقلعوا من قلبه عروق الشكوك والأوهام، وتذهب عنه الأمراض والأسقام، بإشراق شمس العرفان على قلبه، ويُفضي إلى طريق الذوق والوجدان، وغير هذا عناء وتعب، ولو فرض أنه يسكن عنه ذلك، فلا يذهب عنه بالكلية، فربما يهيج عليه في وقت الضعف عند الموت، فلا يستطيع دفعه، فيلقى الله بقلب سقيم. والعياذ بالله.

فإن قلت: هذا الذي دللتني عليه عزيز غريب، فقد دللتني على عَنقاء مغرب؟ قلت: والله، إن حسنت الظن بالله وبعباد الله، واضطررت إليه اضطرار الظمآن إلى الماء، لوجدته أقرب إليك من كل شيء. والله، لقد وجدناهم وظفرنا بهم، على مناهج الجنيد وأضرابه، يُغنون بالنظر، ويسيرون بالمريد حتى يقول له: ها أنت وربك. والمنة لله.

فمن ترك ما قلنا له، وآيس من الدواء، وظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة، فليمت غيظًا وقنطًا، فلا يضر إلا نفسه لأن الله يهدي من يريد، فيوفقه للدواء، ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئًا. وبالله التوفيق.

ثم ذكر مآل من آمن بالقرآن، الذي هو آيات بينات، ومآل من أعرض عنه، فقال:

[سورة الحج (22) : آية 17]

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015