قلت: رَحْمَةً: مفعول لأجله، أو حال.
يقول الحق جلّ جلاله: وَما أَرْسَلْناكَ يا محمد إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ أي: ما أرسلناك بما ذكر من الشرائع والأحكام، وغير ذلك مما هو مناط سعادة الدارين، لعلة من العلل، إلا لرحمتنا الواسعة للعالمين قاطبة. أو ما أرسلناك في حال من الأحوال، إلا حال كونك رحمة لهم، فإن ما بُعثتَ به سببٌ لسعادة الدارين، ومنشأ لانتظام مصالحهم في النشأتين، ومن لم يضرب له في هذه المغانم بسهم فإنما أُوتي من قِبل نفسه، حيث فرط في اتّباعه، وقيل: إنه رحمة حتى في حق الكفار في الدنيا بتأخير عذاب الاستئصال، والأمن من المسخ والخسف والغرق، حسبما نطق به قوله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ (?) .
قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ أي: ما يوحي إلى إلا أنه لا إله لكم إلا إله واحد لأنه المقصود الأصلي من البعثة، وأما ما عداه فإنما هو من الأحكام المتفرعة عليه، لا يصح بدونه. و «إنما» الأولى: لقصر الحكم على الشيء، كقولك: إنما يقوم زيد، والثانية: لقصر الشيء على الحكم، كقولك: إنما زيد قائم، أي: إنما يُوحى إليّ وحدي أنما إلهكم واحد. فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ أي: مخلصون العبادة لله وحده، أو منقادون لما أمركم به من الإسلام؟ والاستفهام بمعنى الأمر، أي: أسلموا. فَإِنْ تَوَلَّوْا عن الإسلام، ولم يلتفتوا إلى ما يوجبه من استماع الوحي، فَقُلْ آذَنْتُكُمْ أي: أعلمتكم ما أُمرت به، أو بمحاربتي لكم ومخالفتي لدينكم، لتكونوا عَلى سَواءٍ، أو كائنين على سواء في الإعلام به، لم أطوه عن أحد منكم، أو مستوين أنا وأنتم في العلم بما أعلمتكم به من الشرائع، لم أظهر بعضكم على شيء كتمته عن غيره. وفيه دليل بطلان مذهب الباطنية. قيل: وهذه من فصاحة القرآن وبلاغته.
وَإِنْ أَدْرِي أي: ما أدري أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ من البعث والحساب متى يكون لأن الله تعالى لم يُطلعني عليه، ولكن أنبأني أنه آت لا محالة، وكل آت قريب. ولذلك قال: وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ (?) ، أو: لا أدري متى يحل بكم العذاب، أو ما توعدون من إظهار المسلمين وظهور الدين، إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ أي: إنه عالم بكل شيء، يعلم ما تجهرون به من الطعن في الإسلام وتكذيب الآيات، وما تكتمونه في صدوركم من الأحقاد للمسلمين، فيجازيكم عليه نقيرًا وقطميرا. وَإِنْ أَدْرِي