وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ في الدنيا بِعَذابٍ مستأصل، مِنْ قَبْلِهِ أي: مِن قبل إتيان البينة، وهو نزول القرآن ومجىء محمد صلى الله عليه وسلم، لَقالُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا يدعونا مع كتاب يهدينا، فَنَتَّبِعَ آياتِكَ التي جاءنا بها، مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ بالعذاب في الدنيا، وَنَخْزى بدخول النار يوم القيامة، ولكنا لم نهلكهم قبل إتيانها، فانقطعت حجتهم، فإذا كان يوم القيامة قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ (?) .
قُلْ لأولئك الكفرة المتمردين: كُلٌّ أي: كل واحد منكم ومنا، مُتَرَبِّصٌ: منتظر ما يؤول إليه أمرنا وأمركم، (فَتَرَبَّصُوا) فانتظروا. أو كُلٌّ منتظر دوائر الزمان، ولمن يكون النصر، فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ عن قريب مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ أي: المستقيم، أو السواء، أي: الوسط الجيد، وَمَنِ اهْتَدى من الضلالة، هل نحن أو أنتم. والله تعالى أعلم.
الإشارة: لا يُشترط في الولي العارف بالله، الداعي إلى الله، إظهار الآيات، ويكفي، برهانًا عليهم، كونهم على بينة من ربهم، وهداية الخلق على أيديهم، وما أظهروه من علم أسرار التوحيد، ومن فنون علم الطريق، مع كون بعضهم أميين، لم يتقدم له مدارسة علم قط، كما شهدناهم، بعثهم الله في كل عصر، يُعرفون بالله، ويدلون على أسرار ذاته وأنوار صفاته، على سبيل العيان، لتقوم الحجة على العباد، فإذا بُعثوا يوم القيامة جاهلين بالله محجوبين عن شهود ذاته، متخلفين عن مقام المقربين، يقولون: لولا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً يُعرفنا بك، فنتبع آياتك حتى نصل إليك، من قبل أن نذل بالانحطاط عن درجة المقربين، أو نخزى بإسدال الحجاب. يقول الحق تعالى:
قد بعثتهم، فأنكرتموهم، فإذا اغتروا اليوم، واحتجوا بقول من قال: انقطعت التربية، فقل: كلٌّ متربص فتربصوا، فستعلمون من أصحاب الصراط السَّوي ومن اهتدى. وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق، وصلّى الله على سيدنا ومولانا محمد، وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليما.