وجملة (يَمْشُونَ) : حال من القرون، أي: أهلكناهم وهم في حال أمن وتقلب في ديارهم، أو من الضمير في «لَهُمْ» ، مؤكد للإنكار، والعامل: «يَهْدِ» ، والمعنى: أفلم يهد لهم إهلاكنا للقرون السالفة، كقوم نوح ولوط وأصحاب الأيكة، حال كونهم، أي: قريش- ماشين في مساكنهم إذا سافروا إلى الشام، و (أَجَلٌ مُسَمًّى) : عطف على (كَلِمَةٌ) ، أو استئناف، أي: وأجل مسمى حاصل لهم.
يقول الحق جلّ جلاله: أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ أي: أو لم يُبين لهم عاقبة أمرهم كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أي: كثرة إهلاكنا للقرون السالفة قبلهم، وهم يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إذا سافروا إلى الشام، كأصحاب الحجر، وثمود، وفرعون، وقوم لوط، مشاهدين لآثار ديارهم خاربة، مع علمهم بما جرى عليهم، بسبب تكذيبهم، فإنَّ ذلك مما يُوجب أن يهتدوا إلى الحق، فيعتبروا، لئلا يحل بهم مثل ما حلّ بأولئك، أو: أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كثرة إهلاكنا للقرون السالفة قبلهم، حال كونهم آمنين، يَمْشُونَ في ديارهم ويتقلبون في رباعهم فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (?) .
إِنَّ فِي ذلِكَ الإهلاك الفظيع لَآياتٍ كثيرة عظيمة واضحة الهداية، دالة على الحق لِأُولِي النُّهى لذوي العقول الناهية عن القبائح، التي من أقبحها ما يتعاطاه كفار مكة من الكفر بآيات الله، والتعامي عنها، وغير ذلك من فنون المعاصي.
وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ، وهو تأخير العذاب عن هذه الأمة إلى الآخرة لحكمة، لعجلنا لهم الهلاك كما عجلنا لتلك القرون المهلكة، التي يمرون عليها ولا يعتبرون، فأصروا على الكفر والعصيان، فلولا تلك العِدّة بتأخير العذاب لَكانَ لِزاماً أي: لكان عقاب جناياتهم لازمًا لهؤلاء الكفرة، بحيث لا يتأخرون عن جناياتهم ساعة، لزوم ما أنزل بأولئك الغابرين، وفي التعرُّض لعنوان الربوبية، مع الإضافة إلى ضميره- عليه الصلاة والسلام- تلويح بأن ذلك التأخير تشريف له صلى الله عليه وسلم، كما ينبىء عنه قوله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ (?) واللزام: مصدر لازم، وصف به للمبالغة، وَأَجَلٌ مُسَمًّى أي: لولا كلمة سبقت بتأخيرهم، وأجل مسمى لأعمارهم أو عذابهم، وهو يوم القيامة، أو يوم بدر، لَمَا تأخر عذابهم أصلاً. وإنما فصله عما عطف عليه، للمسارعة إلى بيان جواب «لَوْلا» ، وللإشعار باستقلال كل منهما بنفي لزوم العذاب المعجل، ومراعاة فواصل الآية الكريمة.