الإشارة: ولقد عهدنا إلى آدم ألا ينسانا، وألا يغيب عن شهودنا بمُتْعَةِ جنتنا، فنسي شهودنا، ومال إلى زخارف جنتنا، فأنزلناه إلى أرض العبودية، حتى يتطهر من البقايا، وتكمل فيه المزايا، فحينئذ نُسكنه في جوارنا، ونكشف له عن حضرة جمالنا، على سبيل الخلود في دارنا.
قال جعفر الصادق: عهدنا إلى آدم ألا ينسانا، فنسي واشتغل بالجنة، فابتلى بارتكاب النهي، وذلك أنه ألهاه النعيم عن المنعم، فوقع من النعمة في البلية، فأُخرج من النعيم والجنة ليعلم أن النعيم هو مجاورة المنعم، لا الالتذاذ بالأكل والشرب. فلا ينبغي لأحد أن ينظر إلى ما سواه، نسأل الله تعالى أن يمدنا وإياك بالتوفيق والعناية. هـ. قال بعض الحكماء: إنما نسي آدم العهد لأنه لما خلقت له زوجته أوقع الله في قلبه الأنس بها، وابتلاه بشهوات النفس فيها، فرأى في وجهها شجرة الحسن بادية، وشهوة الوقاع عليه غالبة. هـ. أي: فترك النظر إلى جمال المعاني، واشتغل بحس الأواني، فأفضى به إلى ترك الأدب، ولزمه التعب، فليحذر المريد جهده من الميل إلى الحظوظ، وليكن على حذر من الغفلة حين تناولها، والعصمةُ من الله.
وقوله تعالى: وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً، قال الحاتمي: أي: على انتهاك الحرمة، بل وقع بمطالعة قدَر سابق، أنساه ما توجه على التركيب من خطاب الحِجْر. هـ. قال شيخ شيوخنا سيدي عبد الرحمن الفاسي: وبما أشار إليه من مطالعة القدر يتضح لك قوله عليه السلام: «فحج آدمُ موسى» (?) ، وليس ذلك لغيره إن لم يكن مجبورًا ومأخوذًا عنه، وهذا القدر هو الفارق بين ما يجري من المخالفة على الولي وغيره. وقد نبه على ذلك الجنيد بقوله: (وكان أمر الله قدرا مقدورًا) ، فأشار لغلبة القدر وقهره، من غير وجود عزم من العبد. هـ. قلت: احتجاج آدم وموسى- عليهما السلام- لم يكن في عالم الأشباح، الذي هو محل التشريع، إنما كان في عالم الأرواح، الذي هو محل التحقيق، فالنظر في ذلك العالم الروحاني، إنما هو لسر الحقيقة، وهو ألا نسبة لأحد في فعل ولا ترك، فمن احتج بهذا غَلب، بخلاف عالم الأشباح، لا يصح الاحتجاج بالقدر لأن فيه خرق رداء الشريعة. فتأمله.
وقال في التنوير: اعلم أن أكل آدم من الشجرة لم يكن عنادًا ولا خلافًا، فإما أن يكون نسي الأمر، فتعاطى الأكل وهو غير ذاكر، وهو قول بعضهم، ونحمل عليه قوله سبحانه: (فَنَسِيَ) ، وإن كان تناوله، ذاكرًا للأمر، فهو إنما تناول لأنه قيل له: مَا نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ ... (?) الآية، فلحبه في الله، وشغفه به، أحب ما يؤديه إلى الخلود في جواره والبقاء عنده، أو ما يؤديه إلى الملَكِية لأن آدم عليه السلام عاين قُرب الملائكة من الله،