الإشارة: كل من اتخذ شيئًا يتعزز به من دون الله وطاعته انقلب عليه ذُلاً وهوانًا، ولذلك قيل: «من تعزز بمخلوق مات عزه» . فإن أردت عزًا لا يفنى فلا تتعزز بعز يفنى، وهو التعزز بالمال أو الجاه، أو غير ذلك مما يفنى، وسيأتي عند قوله: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً «1» . وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ «2» زيادة بيان. وكما أرسل الحق تعالى الشياطين على الكافرين تزعجهم إلى المعاصي أرسل الملائكة والواردات الإلهية إلى المؤمنين تنهضهم إلى طاعة الله، وتزعجهم إلى السير لمعرفة الله. فالملائكة تحرك العبد إلى الطاعة، والواردات تزعجه إلى الحضرة، تخرجه عن عوائده وتدمغ له مِن علائقه، وعوائقه، حتى ينفرد لحضرة الحق:
وفي الحكم: «الوارد يأتي من حضرة قهّار، لأجل ذلك لا يصادمه شيء إلا دمغه بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ» . وقال أيضًا: «متى وردت الواردات الإلهية عليك هدمت العوائد لديك «إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها» .
وقال القشيري على قوله: (تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) : أي: تزعجهم إزعاجًا، فخاطر الشيطان يكون بإزعاج وظلمة، وخاطر الحقِّ يكون بَروْحٍ وسكون، وهذه إحدى الفوارق بينهما. هـ. قلت: ومن الفوارق أيضًا: أن خاطر الحق لا يأمر إلا بالخير مع برودة وانشراح في القلب وسكون وأناة.. وفي الحديث «العجلة من الشيطان، والأناة من الرحمن» «3» . هـ. بخلاف خاطر الشيطان فإنه لا يأمر إلا بالشر، وقد يأمر بالخير إذا كان يجرُّ به إلى الشر، وعلامته أن يكون فيه ظلمة ودَخن وعجلة وبطش، وقد استوفى الكلام عليهم في النصيحة الكافية. وبالله التوفيق.
ثم ذكر مآل فريق الإيمان وفريق الضلال، فقال:
يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً (86) لاَّ يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (87)
قلت: (يَوْمَ نَحْشُرُ) : إما ظرف لفعل مؤخر للإشعار بضيق العبارة عن حصره لكمال جماله أو فظاعته، والتقدير: يوم نحشر المتقين إلى الرحمن، ونسوق المجرمين، نفعل بالفريقين ما لا يفي به نطاق المقال، أو ظرف لا ذكر، و (وَفْداً) و (وِرْداً) : حالان.