أهلكناهم بفنون العذاب، ولو كان ما آتيناهم لكرامتهم علينا، لما فَعَلنا بهم ما فعلنا، وفيه من التهديد والوعيد ما لا يخفى، كأنه قيل: فلينتظر هؤلاء أيضًا مثل ذلك.

و «أثاثًا» : تمييز، وهو متاع البيت، أو ما جد منه، و «رِءْيًا» : كذلك، فِعْل من الرؤية بمعنى المنظر، قال ابن عزيز: «رءيا» بهمزة ساكنة: ما رأيت عليه من شارة حسنة وهيئة، وبغير همز: يجوز أن يكون على معنى الأول «1» ، ويجوز أن يكون من الريّ. أي: منظرهم مُرتو من النعمة. وَزِيًّا، بالزاي المعجمة، في قراءة ابن عباس، يعني هيئة ومنظرًا. هـ.

الإشارة: رفعة القدر والمقام لا تكون بالتظاهر بمفاخر اللباس والطعام، ولا بحسن الهيئة ومنظر الأجسام، وإنما يكون باحتظاء القلوب بمعرفة الله، وتمكين اليقين من القلوب، واطلاعها على أسرار الغيوب، مع القيام بوظائف العبودية، أدبًا مع عظمة الربوبية، ونسيان النفوس والاشتغال عنها بالعكوف في حضرة القدوس، فأهل القلوب لا يعبأُون بظواهر الأشباح، وإنما يعتنون بحياة الأرواح.

كَمِّلْ حقيقتك التي لم تَكْمُلِ ... والجسم دعه في الحضيض الأسفل

فقوت قلوبهم التواجد والأذكار، وحياة أرواحهم العلوم والأسرار، وأنشدوا:

بالقوت إحياءُ الجسوم، وذكره ... تحيا به الألباب والأرواح

هو عيشهم ووجودهم وحياتهم ... حقًا ورَوْح نفوسهم والرَّاح.

وأما من عَظُمَ جهلُه، وكَثُفَ حجابه، فإنما ينظر إلى بهجة الظواهر وتزيينها بأنواع المفاخر، أو إلى من عظم جاهه وكثرت أتباعه، وهذه نزعة جاهلية، حيث قالوا حين يُتلى عليهم الوعظ والتذكير: (أي الفريقين خير مقامًا وأحسن نديًا) ، يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ «2» . وبالله التوفيق.

ثم ذكر الحق تعالى مدد الفريقين أهل الضلال وأهل الإيمان، فقال:

[سورة مريم (19) : الآيات 75 الى 76]

قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً (75) وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا (76)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015