وقال في القوت: قوله تعالى، في صفة أعدائه المحجوبين: كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي: دليل الخطاب في تدبر معناه أن أولياءه المستجيبين له سامعون منه مكاشفون بذكره، ناظرون إلى غيبه، قال تعالى في ضده: مَا كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ «1» ، وقال: مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ ... «2» الآية. هـ.

وسبب غطاء القلوب عن الاستماع والاستبصار هو اتباع الهوى ومحبة غير المولى، فلذلك أنكره الحق تعالى على الكفار بقوله:

[سورة الكهف (18) : آية 102]

أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً (102)

قلت: أَنْ يَتَّخِذُوا: سد مسد المفعولين، أو حذف الثاني، أي: أَحَسِبُوا اتخاذهم نافعهم ونُزُلًا: حال من جهنم.

يقول الحق جلّ جلاله منكرا على الكفار المتقدمين: أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا حين أعرضوا عن ذكري، وكانت أعينهم في غطاء عن رؤية دلائل توحيدي، أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي كالملائكة والمسيح وعزير، أو الشياطين لأنهم عباد، مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ أي: معبودين من دوني، يُوالونهِم بالعبادة، أن ذلك ينفعهم، أو:

ألا نعذبهم على ذلك، بل نعذبهم على ذلك، إِنَّا أَعْتَدْنا يَسَّرنا وهيأنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلًا أي: شيئًا يتمتعون به أول ورودهم القيامة. والنزُل: ما يقدم للنزيل أي: الضيف، وعدل عن الإضمار ذمًا لهم على كفرهم، وإشعارا بأن ذلك الاعتداد بسبب كفرهم، وعبَّر بالإعْتادِ تهكمًا بهم، وتخطئة لهم، حيث كان اتخاذهم أولياء من قبيل العتاد، وإعداد الزاد ليوم المعاد، فكأنه قيل: إنا أعتدنا لهم، مكان ما أعدوا لأنفسهم من العدة والذُّخْرِ، جهنم عدة لهم. وفي ذكر النُزل: إيماء إلى أن لهم وراء جهنم من العذاب ما هو أنموذج له، وتستحقر دونه، وقيل:

النزل: موضع النزول، أي: أعتدناها لهم منزلاً يقيمون فيه. والله تعالى أعلم.

الإشارة: ما أحببتَ شيئاً إلا وكنتَ له عبداً، وهو لا يُحب أن تكون لغيره عبدًا، فأَفْرد قلبك لله، وأَخْرِج منه كلَّ ما سواه، فحينئذ تكونُ عبدًا لله، حرًا مما سواه، فكل ما سوى الله باطلٌ، وظل آفل، فكن إبراهيميًا، حيث قال:

لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ «3» ، فارفع أيها العبد همتك عن الخلق، وعلقها بالملك الحق، فلا تُحب إلا الله، ولا تطلب شيئًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015