فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي: وقت وعده بخروج يأجوج ومأجوج، أو بقيام الساعة بأن شارف قيامُها، جَعَلَهُ أي: السد المذكور، مع متانته ورصانته، دَكَّاءَ: مدكوكًا مبسوطًا مستويًا بالأرض، وفيه بيان عظمة قدرته تعالى، بعد بيان سعة رحمته، وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا: كائنًا لا محالة.
رُوِيَ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِنَّ يأجُوجَ ومأجُوجَ يَحْفِرُون السد، حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشمس، قال الذي عليهم: ارْجِعُوا فَسَتَحْفِرونه غَدًا، فيُعِيدُهُ اللهُ كأشَدّ مَا كَانَ، حَتَّى إِذَا بَلَغتْ مُدَّتُهُمْ، حَفَرُوا، حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ، قَالَ الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غَدًا إِنْ شَاءَ الله، فَيَعُودُونَ إِلَيْه، وهُوَ على هَيْئَتِهِ كما تَرَكُوهُ، فَيَحْفِرُونَهُ فيخْرُجُونَ عَلَى النَّاس» (?) . وسيأتي في الأنبياء تمام قصة خروجهم، إن شاء الله، وهذا آخر كلام ذي القرنين.
قال تعالى: وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ: يوم مجيء الوعد، ويخرجون، يَمُوجُ فِي بَعْضٍ يزدحمون في البلاد، أو: يموج بعض الخلق في بعض، فيضطربون ويختلطون إنسهم وجنهم، حيارى من شدة الهول. رُوي أنهم يأتون البحر فيشربونه ويأكلون دوابه، ثم يأكلون الشجر وما ظفروا به، ممن لم يتحصن منهم من الناس، ولا يقدرون على دخول مكة والمدينة وبيت المقدس، ثم يبعث الله عليهم مرضًا في رقابهم، فيموتون مرة واحدة، فيرسل الله طيرًا فترميهم في البحر، ثم يرسل مطرًا تغسل الأرضَ منهم، ثم تُوضع فيها البركة، وهذا بعد خروج الدجال ونزول عيسى عليه السلام، ثم تنقرض الدنيا، كما قال تعالى:
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ لقيام الساعة، فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً، وسكت الحق تعالى عن النفخة الأولى اكتفاء بذكرها في موضع آخر، أي: جمعنا الخلائق بعد ما تفرقت أوصالهم، وتمزقت أجسادهم، في صعيد واحد للحساب والجزاء، جمعًا عجيبًا لا يُكْتَنَهُ كُنْهُهُ، وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ أظهرناها وأبرزناها يَوْمَئِذٍ أي: يوم إذ جمعنا الخلائق كافة، لِلْكافِرِينَ منهم، بحيث يرونها ويسمعون لها تغيظًا وزفيرًا، عَرْضاً فظيعًا هائلاً لا يقدر قدره، وخص العَرض بهم، وإن كان بمرْأى من أهل الموقف قاطبة لأن ذلك لأجلهم.
ثم ذكر وصفهم بقوله: الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ وهم في الدنيا فِي غِطاءٍ كثيف وغشاوة غليظة عَنْ ذِكْرِي: عن سماع القرآن وتدبره، أو: عن ذكري بالتوحيد والتمجيد، أو كانت أعين بصائرهم في غطاء عن ذكري على وجه يليق بشأني، وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً أي: وكانوا مع ذلك لفرط تصامُمِهم عن الحق وكمال عداوتهم للرسول صلى الله عليه وسلم، لا يستطيعون استماعًا منه لذكري وكلامي، الذي لا يأتيه الباطلُ مِن بين يديه ولا مِن خلفه، وهذا تمثيل لإعراضهم عن الأدلة السمعية، كما أن الأول تصوير لتعاميهم عن الآيات المشاهدة بالأبصار.