وقرئ: حامية، أي: حارة، روى أن معاوية رضي الله عنه قرأ حامية، وعنده ابن عباس، فقال ابن عباس: حمئة، فقال معاوية لعبد الله بن عمرو بن العاص: كيف تقرأ؟ قال: كما يقرأ أمير المؤمنين، ثم وجه إلى كعب الأحبار كيف تجد الشمس تغرب؟ قال: في ماء وطين، كذا نجده في التوراة، فوافق قول ابن عباس رضي الله عنه.

وليس بينهما تنافٍ، لجواز كون العين جامعة بين الوصفين، وأما رجوع معاوية إلى قول ابن عباس بما سمعه من كعب الأحبار، مع أن قراءته أيضًا متواترة، فلكون قراءة ابن عباس قطعية في مدلولها، وقراءته محتملة، ولعله لَمَّا بلغ ساحل البحر المحيط رآها كذلك، إذ ليس في مطمح نظره غير الماء، كما يلوح به قوله تعالى: وَجَدَها تَغْرُبُ، ولم يقل: كانت تغرب فإن الشمس في السماء لا تغرب في الأرض.

وَوَجَدَ عِنْدَها أي: تلك العين قَوْماً قيل: كان لباسهم جلود الوحش، وطعامهم ما لفظه البحر، وكانوا كفارًا، فخيّره الله تعالى بين أن يعذبهم بالقتل، وأن يدعوهم إلى الإيمان، فقال: قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ بالقتل من أول الأمر، وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً أمرًا ذا حُسْنٍ، وذلك بالدعوة إلى الإسلام والإرشاد إلى الشرائع، واستدل بهذا على نبوته، ومن لم يقل بها قال: كان بواسطة نبي كان معه في ذلك العصر، أو إلهامًا، بعد أن كان التخيير موافقًا لشريعة ذلك النبي، قالَ ذو القرنين، لمن كان عنده: مختارًا للشق الأخير، وهو الدعاء إلى الإسلام: أَمَّا مَنْ ظَلَمَ في نفسه، وأصرّ على الكفران، ولم يقبل الإيمان فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ بالقتل. وعن قتادة: أنه كان يطبخ من كفر في القدور (?) ، ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ في الآخرة نُعَذِّبُهُ فيها عَذاباً نُكْراً منكراً فظيعاً، لم يُعهد مثله، وهو عذاب النار. وفيه دلالة ظاهرة على أن الخطاب لم يكن بطريق الوحي إليه، أي: حيث لم يقل: «ثم يرد إليك» ، وأن مقاولته كانت مع النبي، أو مع من عنده من أهل مشورته.

وَأَمَّا مَنْ آمَنَ بموجب دعوته وَعَمِلَ عملاً صالِحاً حسبما يقتضيه الإيمان فَلَهُ في الدارين جَزاءً الْحُسْنى (?) ، أي: المثوبة الحسنى، أو الفعلة الحسنى جزاء، على قراءة النصب، على أنه مصدر مؤكد للجملة، قُدِّم عليه المبتدأ اعتناءً، أو حال، أو تمييز. وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا أي: مما نأمر به يُسْراً: سهلاً ميسرًا، غير شاق عليه. والله تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015