من فُضح ضيفه فقد فُضح هو، ومن أًسِيء إلى ضيفه فقد أُسيء إليه، وَاتَّقُوا اللَّهَ في ركوب الفاحشة، وَلا تُخْزُونِ: ولا تهينوني بإهانتهم. والخزي هو الهوان، أو: ولا تخجلون فيهم، من الخزاية وهو الحياء.
قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ عن أن تجير منهم أحداً، أو تحول بيننا وبينهم، وكانوا يتعرضون لكل أحد، وكان لوط عليه السلام يمنعهم ويزجرهم عنه بقدر وسعه. وذكر السدي: إنهم إنما كانوا يفعلون الفاحشة بالغرباء، ولا يفعلونها بعضهم ببعض، فكانوا يعترضون الطرق. هـ. أو: أَوْ لم ننهك عن ضيافة العالمين وإنزالهم؟ قالَ هؤُلاءِ بَناتِي تُزَوِّجُوهُنَّ إياكم، وقد كان يمنعهم قبل ذلك لكفرهم، فأراد أن يقي أضيافه بهن. ولعله لم يكن حراماً في شريعته. أو يريد بالبنات نساء القوم فإن نبي كل أمة بمنزلة أبيهم، إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ قضاء الوطر، أو: ما أقولُ لكم من التزويج، فابوا، ولجوا في عملهم.
قال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لَعَمْرُكَ: لحياتك يا محمد، أقسم بحياته- عليه الصلاة والسلام- لشرف منزلته عنده. قال ابن عباس- رضى الله عنهما: «ما خلق الله خلقاً أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم، وما أقسم بحياة أحد إلا بحياته، فقال: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ قال القرطبي: وإذا أقسم الله بحياة نبيه فإنما أراد التصريح لنا أنه يجوز لنا أن نحلف بحياته. وقد قال الإمام أحمد فيمن أقسم بالنبي صلى الله عليه وسلم: ينعقد به يمينه، وتجب الكفارة بالحنث، واحتج بكون النبي صلى الله عليه وسلم أحد ركني الشهادة. قال ابن خُوَيْزِ مَنْدَاد: هذا إذ استدل من جوّز الحلف به عليه الصلاة والسلام، بأن أيمان المسلمين جرت من عهده صلى الله عليه وسلم حتى إن أهل المدينة إلى يومنا هذا إذا جاء صاحبه قال له: احلف لي بما حوى هذا القبر، وبحق ساكن هذا القبر، يعني النبي صلى الله عليه وسلم. هـ (?) .
قلت: ومذهب مالك أنه لا ينعقد يمين بغير الله، وصفاته، وأسمائه. وقيل: إن قوله تعالى: لَعَمْرُكَ: هو من قول الملائكة للوط، أو لحياتك يا لوط، إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ: أي: لفي غوايتهم، أو شدة غلمتهم التي أزالت عقولهم وتمييزهم بين الخطأ والصواب، يتحيرون. والغلمة: شهوة الوقاع. والعمه: الحيرة، أي: إنهم لفي عماهم يتحيرون، فكيف يسمعون نصح من نصحهم؟ والضمائر لقوم لوط، وقيل: لقريش، والجملة: اعتراض.
قال تعالى: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ، يعني: صيحة هائلة مهلكة. قال ابن عطية: هذه الصيحة صيحة الرجعة، وليست كصيحة ثمود. هـ. وقيل: صاح بهم جبريل فأهلكتهم الصيحة، مُشْرِقِينَ: داخلين في وقت شروق الشمس فابتدئ هلاكهم بعد الفجر مصبحين، واستوفى هلاكهم مشرقين. فَجَعَلْنا عالِيَها أي: عالي المدينة، أو قراها، سافِلَها، فصارت منقلبة بهم.