أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ أي: أرض الكفرة، نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها بما نفتحه على المسلمين منها، فيخافوا أن نُمَكّنك من أرضهم، وتنزل بساحتهم، منصوراً عليهم، فإذا نزلتَ بساحتهم، ولم يخضعوا لك، فساء صباح المنذرين. وقيل: الأرض جنس، ونقصها بموت الناس، وهلاك الثمرات، وخراب البلاد، وشبه ذلك. وذلك مقدمات العذاب الذي حَكَمَ به عليهم، وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ: لا راد له. والمعقب: الذي يعقب الشيء بالأبطال، ومنه قيل لصاحب الدَيْن: معقب لأنه يعقب غريمه للاقتضاء، والمعنى: أنه حكم للأسلام بالإقبال، وعلى الكفرة بالإدبار، وذلك كائن لا يمكن تغييره. وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ فيحاسبهم عما قليل في الآخرة، بعد ما عذَّبهم بالقتل والإجلاء في الدنيا.
وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ بأنبيائهم، وبمن تبعهم، فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً، إذ لا يُؤبه بمكرٍ دون مكره، فإنه القادر على ما هو المقصود منه دون غيره. سَمَّى العقوبة باسم الذنب للمشاكلة، يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ فينفذ جزاءها. وَسَيَعْلَمُ الكافر (?) أي: جنس الكافر، بدليل قرأءة: «الْكُفَّارُ» ، لِمَنْ هي عُقْبَى الدَّارِ أي: لمن تكون العاقبة في الدارين، دار الفناء ودار البقاء، هل لأهل الإسلام المعد لهم دار السلام؟
أو للكفار المعد لهم دار البوار؟. قال البيضاوي: وهذا كالتفسير لمكر الله بهم، واللام تدل على أن المراد بالعُقبى العاقبة المحمودة، مع ما في الإضافة إلى الدار كما عرفت. هـ.
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا من رؤساء اليهود: لَسْتَ مُرْسَلًا، ولم نجد لك ذكراً في كتابنا، ولا ما يشهد لك عندنا. قال تعالى: قُلْ لهم: كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فإنه أظهر من الأدلة على رسالتي ما يغني عن شاهد يشهد عليها منكم، ولا من غيركم. وَيشهد لي أيضاً: مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ الأول العلم الحقيقي، كعبد الله بن سلام، ومن أسلم من اليهود والنصارى الذين علموا صفته صلى الله عليه وسلم من التوراة والإنجيل، وعلماء المؤمنين الذين عندهم علم القرآن، وما احتوى عليه من النظم المعجز، والعلوم الغيبية الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم.
أو علم اللوح المحفوظ، وهو الله، أي: كفى بالله الذي لا يستحق العبادة غيره، وبمن لا يعلم ما فى اللوح المحفوظ إلا هو، شهيداً بيننا. ويؤيده قراءة مَن قرأ: «وَمَنْ عِنْدَهُ» بكسر الميم. وعلم الكتاب، على الأول: مرفوع بالظرف فإنه معتمد على الموصول. ويجوز أن يكون مبتدأ، والظرف خبره. وهو متعين على الثاني. قاله البيضاوي.
الإشارة: قد قال تعالى في الحديث القدسي: «مَنْ آذى لي وليّاً فقد آذَنَ بالحَرْب» . وجرت عادة الله تعالى أن ينتقم لأوليائه، ويغار عليهم، ولو بعد حين، فإذا أُوذي أحدُهم، واستعجل ذلك يقول له الحق تعالى ما قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ قبل ذلك، فليس الأمر بيدك، فإنما عليك بلاغ ما جاء به