الرزق، والشكُّ في الرزق شكٌ في الرزَّاق، وصدوا عن طريق اليقين، والغنى برب العالمين، لهم عذاب في الحياة الدنيا بالذل والحرص والحرمان.
قال بعض العارفين: لو قيل للطمع: من أبوك؟ لقال: الشك في المقدور، ولو قيل له: ما حرفتك؟ لقال: الذل والهوان، ولو قيل له: ما غايتك؟ لقال: الحرمان. وفي الحِكَم: «ما بَسَقَتْ أغصانُ ذُلٍّ إلا عَلَى بَذْرِ طَمعٍ» . وقال
الشاعر: العَبدُ حُرٌّ مَا قَنَع ... والحرُّ عَبدٌ ما طَمعْ
ولعذاب الآخرة أشق حيث يسقط بضعف يقينه عن درجة المقربين على سبيل الدوام، وما لهم من الله من واق يقيهم من غم الحجاب، وعدم اللحوق بالأحباب الذين ترقوا إلى القرب من الحبيب. والله تعالى أعلم.
ثم وصف الجنة تشويقا وترغيبا فى سلوك طريقها وهو الإيمان، فقال:
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ (35)
قلت: مَثَلُ الْجَنَّةِ: مبتدأ. قال سيبويه: الخبر محذوف، أي: فيما يتلى عليكم صفة الجنة. وقال الفراء: الخبر هو: تَجْرِي ... إلخ، وعلى قول سيبويه يكون تَجْرِي: حالاً من العائد المحذوف، أي: التي وُعدها المتقون حَالَ كَوْنِها تجري ... إلخ. والمراد بالمثل هنا: الصفة، لا ضرب المثل. وظِلُّها: مبتدأ حُذِف خبره، وظلها كذلك.
والأكُل بضم الهمزة: المأكول، ويجوز فيه ضم الكاف وإسكانها، وأما الأكل بالفتح فمصدر.
يقول الحق جلّ جلاله: صفة الجنة التي وُعِدَها المتقون هي غرف وقصور تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ من ماء وخمر وعسل ولبن، أُكُلُها دائِمٌ ما يؤكل من ثمارها وأنواع أطعمتها لا ينقطع، وَظِلُّها دائم، لا يُنسخ بالشمس كظلال الدنيا، تِلْكَ الجنة الموصوفة بهذه الأوصاف هي عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا الشرك والمعاصي، هى مآلهم وعاقبة استقرارهم، وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ لا محيد عنها، هى مآلهم وإليها رجوعهم.
وفي ترتيب العقبيين إطماع للمتقين، وإقناط للكافرين.
الإشارة: مثل جنة المعارف التي وعدها المتقون لكل ما يشغل عن الله هي حضرة مقدسة، يتنعم فيها أسرار العارفين، تجري من تحت قلوبهم أنهار العلوم والحكم، لذتها وقُوت الأرواح فيها دائم، وهي الفكرة في ميادين أنوار