شهوته، وأن يُخرجه من وجود غفلته، فقد استعجز القدرة الإلهية، وَكَانَ الله على كُلِّ شيء مقتدراً» . وللشافعى رضي الله عنه:
فَلَمَّا قَسَا قَلْبِي وَضَاقَتْ مَذَاهِبِي ... جَعَلتُ الرَجَا منِّي لِعَفْوكَ سُلَّمَا
تَعَاظَمَني ذَنبِي فَلَمَّا قَرَنتُهُ ... بِعفوكَ رَبِّي كَانَ عَفوُكَ أَعظَمَا
وهذا إنما يكون بالتوبة النصوح، والنهوض التام، والمجاهدة الكبيرة، كما فعل إبراهيم بن أدهم، والفضيل ابن عياض، والشيخ أبو يعزى، وغيرهم ممن كانوا لصوصاً فصاروا خصوصاً. قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «مَن لَم يَغلِب نَفسَه وَهَواه فَليس لَهُ حَظٌ في عُقبَاه» . وأنشدوا:
جَنَينَا على النَّفس الَّتي لَك رُشدُها ... بِطبْعِ الهَوى فِيها وَتِيهٍ مَن الحِجا
جَزَى الله خَيراً مَن أَعَدَّ لِدَائهِ ... دَوَاءَ التُقَى فَاستَعمَلَ الخوف والرّجا
جبان وترجو أن تُلقَّبَ فَارساً ... مَتَى شَابه العَضبُ اليَمَانيُّ دُملَجَا
وفيها أيضاً: تنويه بمقام الصابرين وعاقبة المتقين، فإن يعقوب عليه السلام، لما استعمل الصبر الجميل، جمع الله شمله بولده مع ما أعدَّ له من الثواب الجزيل. ويوسف عليه السلام، لما صبر على ما أصابه من المحن عوضه العز الدائم بترادف المدن. وفي الخبر: «أعلى الدرجات درجات الصابرين» . لكل عمل ثواب محدود، وثواب الصبرين غير محدود ولا معدود. قيل: أن الله تعالى أعطى لكل صابر قصراً في الجنة مسيرة الشمس أربعين يوماً، من درة بيضاء معلقة في الهواء، ليس تحته دعامة، ولا فوقه علاقة، وله أربعة آلاف باب، يدخل من كل باب سبعون ألف ملك، يسلمون على صاحبه ولا ترجع النوبة إليهم أبدا. هـ.
ثم ذكر خروج يوسف من البئر، وبيعه، ودخوله مصر، فقال:
وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ (19) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20) وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (21) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22)